المشاركة السودانية، الحرب اليمنية، وقبل مقتل صالح كانت تثير جدلاً داخلياً تراوح بين الإبقاء على مهمة القوات أو إنهائها، لكن مقتل الرجل أضاف للوضع مزيداً من التعقيد والغموض.
الموقف الرسمي السوداني، ظل يؤكد دوماً، أن القوات باقية إلى حين استعادة الشرعية والاستقرار في اليمن، عسكرياً أو عبر تسوية، فيما تراوح الرأي الشعبي بين الصمت والطلب المعلن بسحب تلك القوات.
بعث السودان بقوات إلى "اليمن"، عقب استعادة حكومة الخرطوم المفاجئة لعلاقاتها مع دول الخليج، بعد سنوات من التوتر، سببه تقارب الخرطوم مع طهران العدو اللدود لمعظم الدول الخليجية.
ومنذ مارس2015 تشارك قوات من الجيش السوداني في "حلف استعادة الشرعية في اليمن" بقيادة المملكة العربية السعودية، لمواجهة مليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً، والقوات الموالية للرئيس القتيل علي عبد الله صالح.
مرت عامان على مشاركة الجنود السودانيين الذين تقدر أعدادهم بالآلاف – لا توجد أرقام رسمية - في العملية التي أطلق عليها "عاصفة الحزم"، دون أن يحقق التحالف نصراً حاسماً وسريعاً، كما كان متوقعاً بالنسبة لبعض المحللين.
استمرار القتال دون حسم ناجز وتطاوله، أثار حالة من الإنقسام بين الموقف الرسمي والشعبي، فعلا الصوت المطالب بسحب القوات بعد أن كان هامساً، فيما توالت التأكيدات الرسمية على استمرار مهمة القوات في اليمن.
وهو ما دفع قيادي إسلامي بحجم رئيس "حركة الإصلاح الآن" غازي صلاح الدين العتباني، في نوفمبرلماضي، لنصح دول التحالف العربي بوقف القتال فورًا، وانتقاد مشاركة السودان ووصفها بأنه "بلا أهداف سياسية محددة".
ما أدلى به العتباني، يعد "أعلى" صوت علني ينتقد مشاركة القوات السودانية في عاصفة الحزم، لكن القيادي بحركته "الإصلاح الآن" النائب حسن عثمان زرق، كان قد سبقه وطلب من البرلمان في اكتوبر ، إنهاء مشاركة القوات السودانية في اليمن.
وقال: "يجب أن تخرج القوات المسلحة من اليمن، فهناك سلبيات كثيرة بدأت تظهر بسبب المشاركة في هذه الحرب"، وأضاف: "نحن لسنا بحاجة لدخول الحرب من أجل الصداقة مع السعودية، لأن هناك دولًا صديقة للمملكة لم تحارب معها".
وتابع: "إن كان القتال من أجل الشرعية في اليمن، فإن ذلك يحدده أهل اليمن، لأننا لن نسمح بالدخول في شرعيتنا، وإن كان من أجل مكة والمدينة، فإن مكة والمدينة ليس بهما حرب".
لم يتأخر الرد الرسمي كثيراً، بل جاء من أرض المعركة، وعلى لسان وزير الدفاع السوداني الفريق أول عوض بن عوف، أثناء مخاطبته لقواته المشاركة في الحرب بمنطقة "جازان" جنوب غرب السعودية، نهاية نوفمبر الماضي.
واعتبر الفريق إبن عوف مشاركة بلاده في التحالف العربي باليمن "موقفاً عقائدياً والتزاماً أخلاقياً، وحماية المقدسات وبلاد الحرمين الشريفين"، وهي نفس المبررات التي قدمها السودان لتسويق مشاركته منذ البداية.
ربما كانت كلمات إبن عوف لرجاله، ووصفه لمشاركتهم بأنها "واجب مقدس، تهون في سبيله التضحيات مهما عظمت"، ودعوته لهم إلى "إخلاص النية إلى الله تعالى والصبر والثبات حتى يتحقق النصر"، ضمن التوجيه المعنوي، لكنها – على أي حال - أكدت إصرار الخرطوم على المواصلة.
السفير المتقاعد الطريفي كرمنو من جهته، رأى في مشاركة السودان "عودة لمحيطة الطبيعي"، وإكمالاً للخروج من الدائرة الإيرانية، الذي بدأ بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في البلاد سبتمبر2014، وإكمالها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران في يناير 2016، إثر الاعتداء على سفارة وقنصلية السعودية في إيران.
ويشكك كرمنو في جدوى الارتباط بالمعسكر الإيراني بقوله لـ"الأناضول": "طوال العلاقة مع إيران، لم يكسب السودان شيئاً، وحتى وعدها بتشييد طريق يربط شمال السودان بجنوب السودان، تلكأت فيه حتى انفصل جنوب السودان".
ويربط كرمنو باعتباره من مؤيدي المشاركة في حرب اليمين بين ما أطلق عليه خطر "التشيع الإيراني وأهمية التصدي له"، وبين الخطر الذي يمثله الحوثيون والشيعية يسيطرون على مضيق باب المندبعلى السعودية، وقال إنه "يستدعي الجيش السوداني كضرورة دينية ووطنيه".
لكن العتباني في مقابلته مع صحيفة "سودان تربيون" على الانترنت نوفمبر الماضي، أسس لموقفه بأنه موقفه محكوم بـ"الدستور السوداني"، وقال: "لا يجوز الدخول في حرب ضحايا أبناء الوطن دون تخويل من البرلمان".
واعتبر قرار المشاركة "غريباً" بقوله: "هل نحن واعون بالهاوية التي نمضي نحوها ورغم ذلك نواصل المسير؟ أم لا ندري بوجود الهاوية أصلا؟ الحالتين كارثة تنتظر أن تقع في أي لحظة".
أما المشاركة بالنسبة للخبير العسكري والضابط المتقاعد عبد الرحمن حسن، فهي مواجهة لما أطلق عليه "مخلب قط لإيران في اليمن، خلق تهديداً سياسياً وأمنياً كبيراً".
يقول الخبير العسكري: "كان لا بد من مشاركة السودان في التحالف العربي منعاً لتقسيم اليمن إلى دويلات قبلية وعشائرية، والمشاركة في إيجاد حلول لتثبيت الشرعية في اليمن".
وعلى نفس اتجاه الخبير العسكري، مضى المواطن أحمد عبد العزيز في تأييد المشاركة، بقوله : "مشاركة السودان في حرب اليمن، أعادت له دوره الطليعي والتاريخي الذي كان مفقودًا طيلة السنوات الماضية"، معتبراً الحرب حماية للمقدسات والحرمين الشريفين، واستنكر ما أسماه "محاولات تثبيط القوات"، وبدلاً عن ذلك دعا إلى مؤازرتها.
لكن مقتل صالح، الإثنين الماضي على يد مليشيا الحوثي قلب الأوضاع رأساً على عقب، وزادها على الأرض تعقيدًا وغموضاً، جعل التنبوء بتطور الأحداث صعباً بالنسبة للأوضاع في اليمن كلها، وليس القوات السودانية وحدها.
ميدانياً، يشارك السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة وحدهما بقوات إلى جانب السعودية، رغم أن "التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب" الذي أعلن في 14 ديسمبر 2015، مكون من 41 دولة، أبرزها تركيا وباكستان وماليزيا ومصر.
ولم يعلن السودان رسمياً حجم قوات في اليمن، لكنه أعلن عشية إعلان موقفه المساند للتحالف، استعداده إرسال 6 آلاف جندي، ولا يعرف ما إن كانت قواته قد بلغت هذا العدد أم لا.
وغض النظرعن الحجم الفعلي للقوات، فإنها قدمت خسائراً في الأرواح بلغت حتى سبتمبروفقاً لما كشفه قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان حميدتي لصحيفة "الجريدة" المستقلة، 412 عسكرياً بينهم 14 ضابطاً.
عقب مقتل صالح على يد مليشيا الحوثي، وتفكك تحالفه معهم، لم تعلن الخرطوم موقفاً جديداً، لكن الحديث في "منصات التواصل الاجتماعي"، بدأ يعلو، مطالباً بانتهاز الفرصة والغموض واختلاط الأوراق الذي نجم عن مقتل الرجل، وسحب القوات من هناك، لكن الدوائر الرسمية ماتزال صامتة.