أيلول الأسود.. ماذا تبقى لليمنيين من بعده؟

  • 22,سبتمبر 2019
  • المصدر: قناة بلقيس - غرفة الأخبار

الواحد والعشرون من سبتمبر من العام 2014، لم يكن مجرد يومٍ لبداية حربٍ يمنية جديدة فحسب، بل كان يوماً للعار الوطني، بعد اجتياح مليشيات الحوثي عاصمة البلاد على بساط التواطؤ العسكري والسياسي.

 

يتذكر اليمنيون بكثير من الحسرة تلك اللحظات التي اجتاح الحوثيون صنعاء بمساعدة حليفهم صالح، والقوات الموالية له وحزبه الذي مهد لهم كل الطرق لإسقاط البلاد، بالشراكة مع أطراف كثيرة، محلية وإقليمية.

خمس سنوات منذ تلك اللحظة السوداء، مارس الحوثيون فيها القتل وتدمير المنازل ونهب ممتلكات الناس، غيبوا الناس في السجون، وقتلوا المواطنين الأبرياء تحت التعذيب، وحرم اليمنيون من أبسط الخدمات.

 

انتكاسة المشروع الوطني


بعد سيطرتهم على السلطة وإحكام سلطتهم على مؤسسات الدولة، يسعى الحوثيون للعمل بوتيرة عالية على اعتماد مفاهيم نظريتهم السياسية ذات الصبغة الدينية الطائفية كمرجعية للحكم في البلد، وتكريس سلطة المليشيا وجعلها قدراً لا يمكن الخروج عليه أو مواجهته، يرافق كل ذلك عملية تجريف ثقافي وإعادة بناء للمجتمع وفقاً لما تقتضيه مصلحة الجماعة، وبما يهدد كل المنجزات التي ناضل اليمنيون من أجلها لعقود طويلة.


خمس سنوات من ذلك اليوم، ورغم الحرب الطاحنة التي نهبت أرواح اليمنيين، وجعلت بلادهم ركاماً وأشلاء، لم يتغير الحال، بل ازداد المشهد سوءاً.


فمن بداية هذه الحرب الكارثية، لا تزال صنعاء والمحافظات ذات الكثافة السكانية تحت سلطة المليشيا، ولا مؤشر حتى اللحظة يؤكد أن نهاية هذا الكابوس باتت قريبة، في ظل المستجدات التي تعقد المشهد اليمني كل يوم أكثر من سابقه.


"انهيار السردية الوطنية"


الروائي والكاتب مروان الغفوري قال إن الانقلاب الحوثي يقع ضمن "قصة يمنية ممتدة من عام 1948 حتى 2019، بمعنى أن اليمن منذ 1948 وحتى الآن وهي تدخل في متتالية من الحروب"، مشيراً إلى أن الانقلاب بصورته العسكرية لم يكن شأنا غريبا على حياة اليمنيين في السبعة العقود الماضية.

 

وأضاف الغفوري، خلال حديثه لبرنامج "المساء اليمني" على قناة بلقيس مساء أمس، إلى أن اليمنيين في نهاية المطاف وعلى أعقاب 2020 يقفون على انقاض انهيار السردية الوطنية بشكل كامل بمعناها الثلاثي(الذات اليمنية، الهوية الوطنية، عناصر الوحدة اليمنية)، وبالتالي نقف أمام مشهد مليء بالشعوب والدويلات اليمنية.

 

وعن موقع الحوثيين سياسيا، يعتقد الغفوري أن أهم مكسب حققه الحوثيون في السنوات الخمس الماضية هو تحررهم من الخوف، ولم يعد لديهم الكثير ليخشوا عليه بعد استنفاذ التحالف العربي لبنك الأهداف العسكرية، بالتالي تأكد الحوثي إنه يصعب هزيمته في هذه الحرب، وإنه صار أقوى بعد انهيار القوى المحيطة به.

وبشأن تساؤل: هل خاضعت السعودية والإمارات ضمن التحالف حربا فعلية ضد الحوثيين، لفت الغفوري إلى أن هذه الحرب سيقت على عجل ولم تكن ملامحها أو عناصرها الاستراتيجية واضحة في المقام الأول، ولم تكن المشروعية الأخلاقية والقانونية لهذه الحرب مكتملة بشكل كامل في المقام الثاني، حيث خاضعت السعودية حربا ضد عدو لم تحدده، ولم يكن الهدف استعادة الشرعية، بحسب الغفوري.

 

بدوره؛ رئيس مركز صنعاء للدراسات ماجد المذحجي قال إن المشهد بعد خمس سنوات من انقلاب الحوثيين هو أقل ما يوصف بأنه "مُقبض"، بعد ترسخ سيطرة الحوثيين على جزء كبير وحيوي من اليمن يتركز فيه غالبية السكان.

 

صعود للهويات


وأردف قائلا إنه: "وبعد خمس سنوات نرى تقوض كامل لفكرة اليمن التي عهدناها وعشناها نحن هذا الجيل"، مشيرا إلى أنه يتم الآن تقويض اليمن كحيثية وصيغوغة ونشهد نتيجة ذلك، صعود لكل الهويات الصغيرة وتمزق في علاقات اليمنيين البينية، وفي المقابل الحوثيون يدفعون اليمن خطوة تلو الأخرى بأن تصبح" بلداً مارقاً" يمكن أن يتكيف المجتمع الدولي مع هذه الحالة إن لم يكن لها أضرار.


ويرى المذحجي أن الحوثي يجب تعريفه في أدوات القوى وليس في أدوات السياسة، باعتبار الجماعة ذات بعد مسلح وعنيف، بالتالي تستطيع النمو والاسترخاء ضمن هذه الأدوات، لافتا إلى أن في ظل غياب مشروع وطني متماسك يستنهض اليمنيين فإن هذه الجماعة تترسخ كجماعة مُحكمة ومسيطرة، لكنها بدون أي خيال سياسي.

 

مضيفا القول أن الحوثيين أقوى بالمعنى العسكري، لكن هذه القوة لن تكون حاسمة في بقائهم في حال ما إذا تشكل مشروع وطني.


وحول أداء التحالف في اليمن، أوضح المذحجي أن التحالف فشل على مدى الخمس السنوات الماضية في اقتناص الكثير من الفرص لتقويض سيطرة الحوثيين، والمشكلة – بنظر المذحجي – في السعودية التي فشلت في إدارة المعركة في هذه الحرب ولم تدعم وجود وطني متماسك في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

 

وعن تفخيخ الحوثيين للأطفال فكرياً، قال الغفوري إن الأطفال في اليمن أصبحوا ليس فقط ضحايا حرب بل صُناع حرب، يؤخذون إلى المعارك لكي يكونوا قتلة ومقتولين، ولكي يزرعوا الألغام ويكونوا ضحايا الألغام، بالتالي نحن أمام أمة تتعرض للإبادة في وضح النهار، وأمام كارثة بشرية هي أكبر من قدرة القادة السياسيين وأكبر من قدرة الأحزاب السياسية على أن تتخيلها.