وين الفلوس؟

وين الفلوس؟
بقلم 

الحديث الدائر حول المساعدات الانسانية المقدمة لليمن, لا يتعلق بالفساد وغياب الشفافية عند المنظمات العاملة فقط. ولكن بدرجة اساسية, بحسب ما اتصور, بكون هذه المساعدات باتت تمثل احد مصادر الدخل بالنسبة لجماعة الحوثي.

فهي تفرض على المنظمات العاملة في المجال الانساني شروطا تضمن لها حصة معينة تتحصل عليها كنقود او وظائف لاتباعها أو حتى كمساعدات عينية تستخدم كتغذية لمقاتليها او من أجل تحشيدهم.
 
على الضفة الأخرى فإن الفشل في ادارة الملف الاغاثي من قبل الحكومة الشرعية يثير غصة أخرى. هذا الفشل ما هو إلا جزء من فشل عام لكنه يتعلق بحاجات أساسية للناس, وأساسا بامكانيات جاهزة مطلوب من الحكومة إدارتها فقط.
 
فشل الحكومة في ادارة الملف العسكري والملف الانساني وأيضا الاعلام, يجعلنا نتسائل يا ترى ما الجدوى من وجود حكومة؟
ظلت الجماعات الدينية تقدم الاعطيات للناس طوال سنوات لضمان ولائهم. وكانت تبذل جهودا كبيرة من أجل ذلك. بينما جماعة الحوثي أصبحت تلعب نفس الدور ولذات الهدف بدون أي جهد.
 
حصلت الجماعات الدينية على مساحة لاستقطاب الناس خلال العقدين السابقين لاندلاع هذه الحرب بفعل الظروف الاقتصادية السيئة للمواطنين جراء تكريس سياسات افقار ممنهجة واستئثار شريحة محدودة بثروة البلاد.
 
ثم جاءت الحرب وضاعفت من المأساة, وحصل الحوثي على مساحة كبيرة لممارسة ذات الدور. بينما الحكومة التي فشلت في ادارة الحرب تؤكد انها امتداد للعهد البائد. فقد كان بوسعها كأقل واجب ان تكرس نفسها للملف الانساني والتفاوض مع المانحين لتحويل الدعم المقدم إلى بند الرواتب الذي لا يصح التعامل معه في زمن الحرب بنفس الطريقة التي يتم التعامل بها في زمن السلم. وإذا كان هذا متعذرا فتحرير المساعدات من امكانية استغلالها من قبل جماعة الحوثي يصبح ضمن مهام الحكومة لما يحمله هذا من ابعاد انسانية وحتى أهداف عسكرية.
 
الكارثة أن الجميع أصبح شحاذا. بما في ذلك من يحصلون على مساعدات بطرق رسمية كما هو حال أولئك الذين أصبحوا ضمن طابور اللجنة السعودية الخاصة.
 
على أن منبع السخط الأساس بين من يقودوا هذه الحملة المطالبة بكشف مصير المساعدات كما سألاحظ, يظل يتعلق بكونها أصبحت أحد مصادر الاثراء في أوساط من يعملون بهذا المجال.
بينما الاشكال الحقيقي ان ما يصل للمجتمع من هذه المساعدات ضئيلا وحتى مع تحسنه فهو أصبح بمثابة تخدير هدفه تثبيت الوضع القائم وقتل أي امكانية أو تحرك جدي لتغييره. وبالمجمل استثمار قذر لمأساة اليمنيين.
 
لكن مع ذلك يبقى من المهم ليس فقط معرفة مصير هذه المساعدات ولكن أيضا معرفة مصير كل دعم يخصص لليمن في هذه المرحلة. مثلا من وقت لأخر تعلن دول التحالف عن أنها قدمت لليمن دعما خلال فترة معينة بمليارات الدولارات.
هذه أموال لا تقدم دون مقابل حتى وان كانت عبارة عن مساعدات ما بالكم لو انها ديونا؟
الافتراض الشائع يقول ان هذه الأموال تذهب إلى من لا يستحقها. كل الأسلحة التي تشاهدونها في الساحل الغربي والتي تقدم لجيوش مخصية, محسوب أنها دعم يقدم لليمن.
تلك الأسلحة المخزنة في تعز والتي يتم الاقتتال بها داخل المدينة محسوب انها دعم لليمنيين.
 
الأسلحة التي يتم تهريبها خارج المدينة المحاصرة ربما بهدف بيعها لمن يقتلنا هي أيضا محسوبة انها ضمن الدعم المقدم.
ومن يدري لعل تلك المبالغ التي يتسلمها من اضطرتهم ظروف العيش القاسية للذهاب إلى الحدود والقتال هناك دفاعا عن أمن السعودية, قد تحسب ايضا انها دعما لليمن سواء تحت بند مساعدات أو كديون لا يكفي ان شبابنا يدفعون ارواحهم ويهدرون كرامتهم من أجل الحصول عليها. بل جميعنا يدفع الثمن وسنظل ندفعه طالما اننا نتعامل مع قضيتنا وكأنها قضية ناس أخرين.
 
في موضوع المساعدات التي تحصل عليها المنظمات, فإن جزئية الفساد وغياب الشفافية تظل عادية مقارنة بباقي أجزاء الجريمة.
 
الجريمة الأكبر تتمثل في تحويل شعب كامل إلى شحات في ابواب هذه المنظمات, صحيح ان للحرب ظروفها, لكن بات واضحا انه يجري تعميد هذا المسلك لضمان اطالة الحرب وسد كل منافذ العمل والانتاج. وهذه جريمة خطيرة لأنها تمس بقيم المجتمع وبقتل طاقته الحيوية. وايضا لأنها تخدر الناس وتجعلهم يقبلون ببقاء الوضع القائم بدلا من العمل الجدي من اجل تغييره.
 
هذه المنظمات ايضا تستقطب أفضل القدرات والكوادر الشابة داخل المجتمع. وهؤلاء في الغالب من خريجي الجامعات ممن يمكن للبلاد الاستعانة بهم لتجاوز هذا الوضع. لن يأت زمن أسوأ من هذا ولن يحتاجهم بلدهم أكثر مما يحتاجهم اليوم. ولولا هذه المنظمات التي توفر دخلا سهلا فإن هذه الطاقات كانت ستصبح ضاغطة من أجل فتح نوافذ مشروعة لاستيعابها في سياق اللحظة الوطنية الماثلة.
 
لست ممن يعارضون تماما هذه المساعدات. على الأقل ثمة شريحة واسعة تحسنت فرصها خلال هذه الحرب فهي تحصل على مساعدات بسيطة, لسنوات طويلة ظل من المتعذر الحصول عليها من خلال العمل أو بأي طريقة أخرى. فهولاء ولدوا فقراء وعاشوا فقراء وحياتهم عبارة عن حرب دائمة.
 
لكن الكارثة أن الجميع أصبح شحاتا. بما في ذلك من يحصلون على مساعدات بطرق رسمية كما هو حال أولئك الذين أصبحوا ضمن طابور اللجنة السعودية الخاصة. حتى أعضاء البرلمان حصلوا على نصيبهم. وهذا كله يندرج تحت بند الشحت فالحق هو ما تنتزعه أو تصنعه على تراب أرضك. وليس ما تحصل عليه من الآخرين مقابل اهدار هذه التراب أو بيع المواقف.
وسام محمد

صحفي يمني