وحدة اليمن.. إرادة شعب

وحدة اليمن.. إرادة شعب
تحققت الوحدة اليمنية المباركة عام 1990 م ، تتويجا ً لإرادة شعب ، كافح وناضل عبر سنوات طويلة للوصول الي هذا اليوم ، ولتحقيق هذا الحلم ، الذي راود أذهان أبناء الوطن الواحد ، جميعهم بلا استثناء ، ولم يكن حلم تحقيق الوحدة اليمنية ، تكتيك ، أو هروب مرحلي لأى طرف سياسي شارك في صناعته ، ولم يكن كذلك مراوغة سياسية ، فرضتها تلك اللحظة الفارقة ، بل كان وسيظل خيار إستراتيجي أبدي راسخ ، ومتجدد ، في الذهن العام للإنسان اليمني .
 
لقد كان من الطبيعي ، عقب تحقيق الوحدة اليمنية الإندماجية ، وبعد أن تلاشت نشوة الانتصار للقوى السياسية الحاكمة آنذاك والتي تمكنت من تحقيق حلم الإنسان اليمني ، أن تصطدم مصالحها الذاتية الضيقة مع خيار الإنسان اليمني الإستراتيجي في الوحدة وضمان استمراريتها وبقائها ورسوخها .
 
لقد حصل الحزب الاشتراكي اليمني ، على الترتيب الثالث ، في أول انتخابات نيابية بعد تحقيق الوحدة عام 1993م، وهنا أدرك الحزب ، أنه خسر هذه الانتخابات ، وخسر 50% من نسبة مشاركته في الحكم ، مع شريكه في تحقيق الوحدة ، المؤتمر الشعبي العام ، وهنا وجد الحزب الاشتراكي نفسه ، أمام اختبار حقيقي وصعب ، وكان عليه الاختيار ما بين الاستمرار بالوحدة ، مع مشاركته بنسبة تقل عن 50% في الحكم ، أو الانفصال والاستحواذ على الحكم بشكل كلي كما كان قبل تحقيق الوحدة ، وهذا ما أختاره الحزب فعلا ، وفشل في أول اختبار له ، وهو بذلك انقلب على كفاح ونضال أبناء الشعب اليمني في الشطر الجنوبي ، لعقود خلت من أجل تحقيق حلم الوحدة ، وانقلب كذلك على هدف جوهري وإستراتيجي لطالما رفعه الحزب كشعار دائم له وهو " تحقيق الوحدة اليمنية " ،بل أن الحزب الاشتراكي كان له وزارة باسم " وزارة شؤون الوحدة " .
 
من أجل قول الحقيقة والإنصاف ، لا يتحمل الحزب الاشتراكي وحده وزر إعلان الانفصال ، وحرب صيف 1994 م ، فحزب المؤتمر الشعبي العام ، يتحمل معه ، وبالمناصفة ، كارثة حرب صيف 1994م ، بسبب فساده ، الذي لم يتغلغل فقط في الشطر الجنوبي لليمن ، بل تغلغل في كل أرجاء اليمن .
 
إن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية ، حق مكتسب لكل أبناء الشعب اليمني ، لا يجوز لأي فصيل سياسي المساس به ، أو المزايدة عليه ، أو استغلاله في صراعاته من أجل الحصول على السلطة
 
عقب الوحدة المباركة ،شهد الشطر الجنوبي نهضة اقتصادية وعمرانية كبيرة ، على مستوى البنية التحتية وغيرها ، كنتاج طبيعي لانتهاج الاقتصاد الرأسمالي الحر المتبع في الشطر الشمالي ، ولكنه في المقابل خسر على سبيل المثال لا الحصر الانضباط الأمني ، السائد في نظام حكم الحزب الاشتراكي في الشطر الجنوبي ، وفي المقابل ، تحملت دولة الوحدة ، عدد هائل من موظفي الدولة والقطاعين العام والمختلط من الشطر الجنوبي ،فلقد كان عدد موظفي دولة الشطر الجنوبي ، أكثر من عدد موظفي دولة الشطر الشمالي بنسبة ( 1: 3 ) ، أردت بما ذكرته أنفا أن أوضح أن هناك مشاكل كانت ومازالت موجودة في الشطر الجنوبي والشطر الشمالي من اليمن ، وهذا لا يعني أن انفصال شطري اليمن هو الحل لهذه المشاكل .
 
كان من المفترض على الحزب الاشتراكي ، عندما خسر الانتخابات ، أو عندما وجد نفسه في مواجهة فساد شريكه في إعادة تحقيق الوحدة ، أن لا يتجه صوب محاولة هدم صرح الوحدة ، وهو باعتقادي يدرك أن ذلك ليس هو الحل ، وهو تصرف يمثل قمة الفساد من وجهة نظري ، ما حدث في عام 1994م هو حرب من أجل السلطة ، تم الزج بالوحدة فيها لمصالح حزبية ضيقة من كلا الجانبين ، ووقع على سالم البيض في الفخ عندما أعلن الانفصال ،ولو لم يعلن ذلك لربما انتصر ، وأستفاد من هذا الإعلان شريكه في الحكم حزب المؤتمر الشعبي العام ، الذي من جانبه صور للرأي العام أنه حامي حمى الوحدة ، وأن حربه ضد الحزب الاشتراكي هي حرب من أجل الحفاظ على الوحدة .
 
لقد خسر الحزب الاشتراكي اليمني الكثير من شعبيته عندما زج بالوحدة في صراعاته من أجل السلطة ، فلقد شارك في صناعة هذا الحلم اليمني ، عندما كان شريكا ً في السلطة بنسبة النصف ، وعندما استشف فقدانه لهذه السلطة ، تخلى عن الوحدة ، وظل شريكه المؤتمر الشعبي العام يتغنى بالوحدة اليمنية ، وأنه شارك في صناعتها ،وخاض حربا ً من أجل الحفاظ عليها ، ردحا ً من الزمن ، وعندما خسر السلطة عقب ثورة 2011م الشبابية ، تخلى عنها بكل ثقة .
 
لقد تخلى حزب المؤتمر الشعبي العام عن الوحدة ، عقب خسارته السلطة في عام 2011م،على الرغم من أن أول حكومة تشكلت عقب ثورة 2011م كانت مناصفة مع حزب المؤتمر الشعبي العام ، من أول يوم لثورة 2011م ، كانت مطابع دائرة التوجيه المعنوي التابعة للجيش ، تطبع أعلام تشطيرية تخص "الشطر الجنوبي " ، وكما ظهر هاني بن بريك على المنابر ، عقب حرب 1994 م ، يحرم ويجرم الانفصال ويشدد على وجوب استمرار الوحدة ، ظهر عقب 2011م يجرم الوحدة ويدعوا الي الانفصال ، ليصبح بعد ذلك أحد أهم قادة المجلس الانتقالي الانفصالي ، أصبح حزب المؤتمر الشعبي العام هو من يمول الحراك الجنوبي ، عقب ثورة 2011م ، عندما فقد السلطة ، وقبل عام 2011 م عندما كان في السلطة ، كان رموز الحراك الجنوبي يقبعون خلف أسوار المعتقلات ، حينها كان هدف الحراك ( إعادة تصحيح مسار الوحدة ) ، وعندما أصبح هذا الحراك يمول من حزب المؤتمر ، أصبح هدف الحراك ( الانفصال واستعادة دولة الجنوب ) .
 
إن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية ، حق مكتسب لكل أبناء الشعب اليمني ، لا يجوز لأي فصيل سياسي المساس به ، أو المزايدة عليه ، أو استغلاله في صراعاته من أجل الحصول على السلطة . عقب ثورة 2011م ، اجتمعت نخب اليمن الفكرية والسياسية ، كان من بينها قادة الحراك الجنوبي ، وانخرطوا في حوار وطني لعدة أشهر ، تحت مسمى "مؤتمر الحوار الوطني" ، وبعد إقرار مخرجات هذا الحوار انتهت ما تسمى "القضية الجنوبية "، وتم الاتفاق على اليمن الاتحادي ، وتحققت كل مطالب الحراك الجنوبي ، على اعتبار أن ثورة 2011م كانت حراك جامع لكل اليمنيين . وبعد أن كان قادة الحراك الجنوبي يطالبون بحكم الجنوب فقط ، أصبحوا بعد ثورة عام 2011م يحكمون اليمن شمالا ً وجنوبا ً، فرئيس الجمهورية جنوبي ، ومعظم الوزراء والسفراء من الجنوب ، لذلك أصبح كل من ينادي بانفصال الجنوب ، شخص أحمق ، وغبي ، ويتحدث بعيدا ً عن المنطق ، وهو مرتزق يسعى وراء السلطة فقط .
 
إن الوحدة اليمنية ، أم لكل أبناء اليمن ، وكلنا أخوة وأشقاء ، فّاذا اختلفنا وتصارعنا ، فيجب أن تبقى هي بعيدا ً عن صراعاتنا وأهوائنا ، فلا نوجه لصدرها فوهات بنادقنا ، ولا نسدد لها الطعنات في ظهرها ، فمن غير المعقول أن يقتل الأبن أمه والأخ أخاه . إن القوى السياسية اليمنية التي تمكنت من إعادة تحقيق الوحدة ، في لحظة تاريخية هامة ومفصلية ، امتلك فيها اليمنيون قرارهم السيادي بدون تدخل أو وصاية من أحد ، عليها أن تدرك بأن الوحدة هي المنجز الوحيد لها ، وعلى الرغم من أن هذه القوى حاولت هدم هذا المنجز في عام 1994وعقب عام 2011م ، إلا إن بنيان هذه الوحدة مازال قائما ً حتى الآن ، فعليها أن تدرك مسؤوليتها التاريخية ، وتتذكر تاريخها النضالي ، فلا تقتل حلم أبناء اليمن ، من أجل السلطة أو الارتزاق لأي جهة كانت . وعلى القوى الإقليمية الإمبريالية ووكلائها في المنطقة العربية وفي مقدمتها السعودية ، ودويلة الإمارات ، أن تدرك أن خيار الشعب اليمني الوحيد هو الوحدة ، والمضي قُدما ً على طريق ("الدولة الإتحادية " الضامنة لحقوق كل أبناء الشعب اليمني بلا استثناء ،وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني ) ، وأن أي فصيل سياسي لا يمكنه التحدث باسم الشعب اليمني ، وعلى دويلة الإمارات على وجه الخصوص ، أن تتخلى فورا ً عن دورها الرامي لتقسيم اليمن الذي رٌسم لها ، قبل أن تصيبها لعنة شعب اليمن ، التي أهلكت الأحباش بطير الأبابيل ، وصنعت مقبرة للغزاة من الإنجليز والأتراك.