ملاحظات في ذكرى ثورة فبراير

ملاحظات في ذكرى ثورة فبراير
حتى الآن وبعد ثمان سنوات من ذلك الحدث المهم، واندلاع ثورة الحادي عشر من فبراير التي يحتفل بها اليوم كثير من أبناء الشعب.. هذه الاحتفالات جاءت على أشكال عدة.. هناك من يشعر بالانتماء العميق للثورة ولأحداثها ولكل تفاصيلها.
هذا الانتماء تجسد اليوم في تغيير البعض لصور صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، كتب آخرون مقالات للاحتفاء بهذه المناسبة، فعل آخرون أشياء أخرى، احتفالات خاصة وخطابات وكرنفالات.
 
جاءت الكثير من هذه الأعمال كمحاولة للتمسك بالأمل الذي يمكن أن يحمله المستقبل لليمن، وجاءت بعض هذه الاحتفالات كجزء من الإيمان العميق الذي بذرته هذه الثورة داخل نفوس أتباعها، وإذا كانت الثورة قد استطاعت غرس الشجاعة في نفوس أتباعها إبان اندلاعها، فإنها قد غرست فيهم الإيمان بها وبعظمة أهدافها.
لقد قدم الكثيرون أرواحهم لتنجح هذه الثورة ويسقط النظام، وبقي الكثيرون على إيمانهم الراسخ بأن هذه الثورة قادرة على تحقيق الكثير، إذا ما آمنا بأهمية العامل الزمني الطويل على صنع ما نراه مستحيلا اليوم، وتحويلها إلى واقع في الغد.
 
لكن الثورة كما هي بحاجة لإيمان أبنائها بها، فهي بحاجة أيضا لأتباع قادرين على تقييم تجاربهم، ومعرفة مكامن القوة والضعف، ومواقع الخطأ والصواب، وبحاجة أيضا إلى امتلاك الشجاعة الكافية للحديث بقوة وتجرد ونقد عن أهم حدث في تاريخ اليمن الحديث، إيمانا بأهمية النقد الذاتي لكل التجارب السياسية والاجتماعية والانثربولوجية.
 
لماذا توقفت الثورة عن المضي نحو استكمال أهدافها؟. لماذا لم تكن تلك الأحلام وتلك الهتافات المعلنة منذ فبراير 2011 واقعا اليوم.. لماذا لا توجد دراسات جادة إلى جانب هذه الاحتفالات العامة التي نراها اليوم بثورة فبراير.. نحن بحاجة الآن إلى تقييم حقيقي لأسباب عدم استكمال أهداف الثورة.. نحن بحاجة إلى حديث جاد ورؤى عميقة لمعرفة أين توقفنا؟ وكيف فعلنا ذلك وإلى أين وصلنا؟ وما الذي ينتظرنا وما يجب علينا فعله الآن؟ أين كان الخطأ في ذلك الهدير الصاخب لتلك الجموع الكبيرة.. ألا يستحق ذلك التحرك الشعبي الذي أسقط نظاما راسخا لثلاثة عقود إلى مراجعات جادة؟
 
يجب على كل ثورة أن تحاول تخليد يومياتها، وألا تترك للتاريخ لعنة التزوير والعبث بالحقائق والذاكرة
 
كيف خذلنا فبراير
 
في منتصف العام 2012 عمل الزميل وضاح الروم مع مجموعة من الشباب على صياغة تقويم هجري لثورة فبراير، كان هذا جزءا من جهود متواضعة لتوثيق أحداث الثورة، كان التقويم يذكر مع كل يوم الأحداث الثورية التي حدثت في ذلك اليوم.. حسب علمي أنه تم توزيع ذلك التقويم بكميات محدودة جدا، لكنني من ناحية أخرى أقرأ في تلك المحاولة المحدودة والصغيرة محاولة جادة لتوثيق أحداث الثورة بطريقة رسمية، ونقلها من الذهنية الفردية والجمعية لتكون ذاكرة مكتوبة.
 
يجب على كل ثورة أن تحاول تخليد يومياتها، وألا تترك للتاريخ لعنة التزوير والعبث بالحقائق والذاكرة.. هناك أيضا الكثير من القصائد التي كتبت عن هذه الثورة وربما توجد بعض الأعمال الأدبية أو لا، وعلى حد علمي فإنه ليست هناك أعمال أدبية تخلد يوميات هذه الثورة.
إذا ما عدنا إلى التاريخ فإن النقاد يتحدثون عن رواية الحرب والسلام باعتبارها رواية أدبية، لكنها أيضا وثيقة تاريخية عن روسيا خلال منتصف القرن التاسع عشر وعن فترة الحروب التي خاضتها آنذاك.
 
في عام 2010 أصدر ماريو بارغاس يوسا رواية حفلة التيس، وهي رواية تتناول تاريخا سياسيا مهما في حياة دولة الدومنيكان.. تؤرخ الرواية لفترة حكم تورخيو والذي حكم الدومنيكان لـ 31 عاما، حتى ثارت مجموعة كانت تسمى بحركة 14 أكتوبر، واستطاعت قتله في أحد الطرقات أثناء عودته إلى القصر، ووضع حد لذلك العهد الاستبدادي.
هذه الرواية التي كتبها يوسا تجاوزت مضمونها الأدبي، لتؤرخ لمرحلة سياسية، وتتحول إلى ذاكرة تاريخية مكتوبة بطريقة أدبية.. لقد قال عنها أحد المهتمين إذا رأيت حاكما ظالما فادع الله أن يسلط عليه كاتبا كيوسا.
 
هناك الكثير من الأعمال الأدبية التي خلدت مراحل مهمة في حياة الشعوب ولا مجال لذكرها الآن، ونحن بحاجة إلى مثل هذه الأعمال.
في اليمن حتى الآن لا توجد أعمال تتناول حدث ثورة فبراير التاريخي الهام حد معرفتي المتواضعة، وهي دعوة لكل رؤوس الأموال ورجال الأعمال ـ الذين آمنوا بالثورة ولا زالوا يؤمنون بها ـ إلى تبني أي أعمال أدبية أو تاريخية، أو أي أعمال يمكن أن تكتب عن هذه المرحلة من تاريخ اليمن الحديث، وتشجيع المهتمين بصياغة هذه الأعمال، لأن هذه الأحداث التي بلا ذاكرة ورقية وأدبية جديرة بالتزوير والنسيان خلال سنوات معدودة.
محمد العليمي

كاتب يمني