ليس بوسعنا إنقاذك أيها الرئيس في كل مرة

ليس بوسعنا إنقاذك أيها الرئيس في كل مرة

لا أزال أتذكر حتى الآن وبعد مرور خمس سنوات أو أكثر كيف كانت تلك الجماهير التي تقدر بمئات الآلاف تنساب في شوارع الستين والزبيري بصنعاء.

لم يكن هذا المظهر ينتمي لإحدى مسيرات ثورة فبراير وإن كان شبيها بها إلى حد كبير في الزخم والفاعلية والتأثير والمشروع الوطني، ومعرفة الأخطار التي تحيط بمستقبل اليمن، لكنها كانت تهتف بشيء آخر، كانوا يهتفون بضرورة أن تمتلك الدولة أدوات القوة لتضع حدا لتلك المهزلة التي كانت تتدحرج عسكريا من صعدة إلى صنعاء مرورا بعمران، ولئلا تسمح الدولة بحدوث أي انقلاب أو إعاقة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني.

 

كانت تلك الجموع تدرك معنى تقدم الحوثيين عسكريا إلى صنعاء وإسقاطهم للدولة، وكانت تدرك أيضا أن المشروع الوطني الوليد حديثا بحاجة إلى مساندة شعبية كبيرة تدرك خلالها القيادة السياسية تشعر بأنها لا تقاتل وحيدة.. وسط كل الجماهير كان الرئيس هادي هو وحده من لا يدرك أن هذا الشعب الشجاع لا ينبغي عليه أن يعود خائبا ولا أن تُجهض أحلامه، وكان لا يمكن لأي قائد سياسي محنك أن يخذل تلك الجموع إلا الرئيس هادي، فإنه قادر على خذلاننا جميعا وخذلان نفسه.

 

خارج ذاتك أيها الرئيس لم تكن تعبأ بما يمكن أن يكون عليه اليمن بعد لحظة تراخيك الكبيرة تلك، كان ذلك التقهقر في نفسك بدافع الخوف والضعف والتسيب واللا مبالاة هو أولى الخطوات نحو أن نجد اليمن اليوم على ما هو عليه من حروب وتشكيلات مسلحة وحاضر مرتبك وأزمة إنسانية هي الأكبر في العالم.

 

كانت تلك الفرصة الثانية التي منحها إياك الشعب بعد الاستفتاء الذي أنجزه في فبراير 2012 لتكون بعده رئيسا شرعيا لليمن، لكنك تجيد حرق المراحل وتضييع الفرص، ولا يجيد الشعب القوي غير التمسك بخيار الدولة في أضعف صورها حتى وإن كانت شعارا فقط، وكل الذين قاتلوا بشجاعة من أجل أن تكون أقوى صاروا أضعف الآن، وباتوا يعرفون أن كل الفرص المتاحة لك ستملك الوقت الكافي والخطط الناجحة لتبديدها.

 

هذا الالتفاف لم يكن الأول من قبل الشعب لمساندتك ومساندة الدولة، ولم يكن هذا الخذلان الأول والأخير من قبلك أنت.

 


ساندتك الجماهير مرات أخرى وكثيرة وفي محطات عدة، ساندتك في تعز وعدن ومأرب وحضرموت.. ساندتك حين قدمتَ استقالتك إلى مجلس النواب، وساندتك حين غادرتَ إلى عدن وساندتك حين قصفت طائرات الحوثيين قصرك في العاصمة المؤقتة، وساندتك حين غادرتَ إلى السعودية وطلبتَ تدخل التحالف العربي، وساندتك أيضا حين خذلتك الإمارات واستغلت ضعفك، وجعلتك وحيدا دون قوة أو سند، وفي كل مرة كان الشعب وحده من يدفع الثمن، ساندك العسكري والجندي الذي قاتل في حروب كثيرة دون راتب، ساندك المواطن الجائع الذي لم يتسلم راتبه لسنوات، وساندك الباعة المتجولون الذين يتجولون نهارا كاملا دون أن يعثروا على متطلبات يومياتهم البسيطة، ساندتك المرأة وقررت الدفاع إلى جانبك، ساندك أيضا النشطاء والصحفيون والمعارضون السياسيون، وكان في صفك كل أولئك الذين لم تكن تتوقعهم.

 

ماذا يريد أي قائد سياسي أكثر من ذلك؟

 

ورغم كل الآمال المخيبة التي حصلنا عليها، وإيقان الشعب أنك لا يمكن أن تكون مخلص البلد أو حتى أن تلعب دوره، أو أن تكون ذلك القائد السياسي الذي يتذكره الشعب حتى لسنوات معدودة بعد رحيله، إلا أنه وبمجرد أن وقفت الآن مؤخرا أمام نفوذ الإمارات عاد الشعب مرة أخرى للوقوف بجانبك مؤمنا أنك لا تزال قادرا على فعل شيء لإيقاف هذا الخراب وأن بجعبتك المزيد من المفاجآت.

 

ليس هناك فرصة أكثر مناسبة من هذه لقلب الطاولة على الإمارات بعد قصفها الجيش الوطني في عدن وأبين بنحو عشرين غارة، هذا عمل عدائي واضح وصريح وعليك تفعيل كل الإمكانات لمواجهة هذا العمل الذي قامت به الإمارات، ولكن يبدو أنك تعمل بعد مضي الوقت بكثير وتفهم الأشياء على حقيقتها عندما يصبح موقفك غير ذي قيمة، وهذه الفرادة في شخصيتك لا نظير لها.. أنت تدرك الأشياء متأخرا جدا، وتعمل خارج الزمن المهم وهذا يكلف شعبك الكثير.. أتذكر أنني قرأت عن أحد الدوقات أنه قطع رحلته وعاد ليصيح" سأقتلك أيها التاجر الباريسي" فعرفت أنك هكذا، لأن هذا التاجر الباريسي كان قد خدع الدوق في صفقة مالية، ولكن الدوق لم ينتبه إلى تلك الخديعة إلا بعد أن صار في منتصف رحلة العودة.

محمد العليمي

كاتب يمني