وكنا نعتقد أن الحزب قد أنقرض فعلا. عندما اندلعت ثورة فبراير أنبعث الاشتراكيين في كل مكان. كانت الثورة لحظة الاشتراكي بامتياز. لكن قيادة الحزب فشلت في التقاطها. وهذا سيكلف الاشتراكي الكثير خلال السنوات اللاحقة.
ليس صحيحا أن الاشتراكي تواطأ مع الحوثيين. هناك حزبيين فعلوا ذلك بدفع مباشر من لعبة الخصومة التي لا تتسق مع الواقع وما يطرحه من مهام.
لكن جريمة قيادة الاشتراكي (وهذا عيب خلقي في السياسة اليمنية) تمثلت في عدم قدرتها على قراءة وتحليل الواقع وبناء الموقف الصحيح ثم مصارحة الناس وتنبيههم وبناء خط نضالي واضح. لهذا لا يزال الاشتراكي إلى اليوم يدفع الثمن ولا يبدو أنه سيتعافى قريبا.
الخطير أنه لا يوجد من يريد أن يستوعب الدرس، والأخطر أن نصادف من يريد أن يكرر نفس الخطأ على قاعدة لعبة الخصومة المكلفة التي لا يربطها بالسياسة وبالتفكير السياسي رابط.
حسنا منذ مقتل صالح وأنا أراقب بصمت كيف تغيرت رؤية كثيرين لما يجري، الأمر الذي آخذ ينعكس على طبيعة الوضع على الأرض وعلاقة القوى السياسية ببعضها، وعلاقة الأشخاص ببعضهم، أحيانا داخل الدائرة الواحدة نفسها.
طبيعي أن يحدث هذا الاختلاف، وإذا لم يتم إدارته بذكاء، على قاعدة الخصم الرئيسي أولا، وما نريده ثانيا، ثم ثالثا التشبث بفرص تسوية الخصومات الثانوية أو تصفية الحساب معها ان أمكن، فإن شعرة معاوية التي تربط الجميع في الأوقات الحرجة قد تنقطع.
نحن في مرحلة استثنائية. مرحلة تتوسط مرحلتين. مرحلة ما قبل الثورة عندما كان بناء التحالفات وممارسة السياسة يتم على قاعدة وجود خصم واحد للجميع وهذا ما سمح بظهور تكتل اللقاء المشترك مثلا وبوجود علاقات جيدة بين مختلف شباب الأحزاب.
ومرحلة بناء الكتلة التاريخية على قاعدة ما نريده وما نرغب في تحقيقه وهو شيء لا يزال مجهولا حتى الآن ولن تتبين ملامحه إلا مع بناء رؤية إستراتيجية يتفق بشأنها جميع الأطراف.
لكن أيضا على قاعدة هزيمة الانقلاب الحوثي وإنهاء أثاره كخصم رئيسي، دون أن يعني هذا التصالح المباشر مع الخصوم الثانويين وقد تكاثروا مثل الفطر بفعل الحرب.
هناك أفق يجب أن يحكمنا، هذا الأفق هو قيم الثورة وما نادت به وعندما تتوفر فرصة لتجسيدها في الواقع على قاعدة أولوية المصالح الشعبية، فإنه يصبح من الغباء تحويل الخصومة إلى برنامج عمل.
يفترض أن أي فشل نواجهه منذ اندلاع الثورة، بمثابة درس جديد يقربنا أكثر من تلك القيم التي مثلت أساس لانطلاق فبراير والتي لا يمكن الحديث عن انتصار حقيقي دون تجسيدها في الواقع والسهر من أجل ازدهارها بوصفها قيم الزمن الجديد.
مثلا الديمقراطية اليوم لم تعد ترفا أو مجرد قيمة دعائية فائضة يمكن استخدامها على طريقة الأنظمة المستبدة ثم التخلي عنها عندما يحين وقت التطبيق العملي. صحيح أن تعقيدات الواقع تتجاوز الأحلام، لكن ما يهم حقا هو إلى أي مدى نحن نتمثل تلك القيم ونؤمن بها، لأن هذا سيجعلنا قادرين على اقتناص فرص التجسيد الفعلي لا إهدارها والذهاب بعيدا خلف خصومات مهما بالغنا فيها لأسباب وجيهة غالبا فلا يوجد حل معها غير الوصول إلى تسوية من نوع ما.
عدم الإيمان بقيم الثورة والاستمرار في إهدار الفرص سيعني أننا نقبل في نهاية المطاف أن يتم تسوية الخصومات بطرق قبلية وعبر تحالفات مراكز النفوذ على حساب مصالح الشعب ومستقبل البلاد.
لست من دعاة التصالح والتسامح ولست ممن يعتقدون أن الصراع يمكن إدارته بوعي كامل أو أنه حان الوقت لكي ندع المجرمين والقتلة يعودون من بوابة التاريخ الخلفية لكي يقال أننا ديمقراطيون.
بقدر ما أعني ضرورة التنبه أثناء خوض الصراع إلى أن هناك أفق يجب أن يحكمنا، هذا الأفق هو قيم الثورة وما نادت به وعندما تتوفر فرصة لتجسيدها في الواقع على قاعدة أولوية المصالح الشعبية، فإنه يصبح من الغباء تحويل الخصومة إلى برنامج عمل. لأننا بذلك سوف نوفر للأعداء فرص جديدة في أن يعيدوا ترتيب أوراقهم، أما الأصدقاء فسوف يصبح لكل منهم برنامج خصومة مستقل.
لعبة الخصومة المكلفة، هي لعبة من لا يستطيعون ترتيب أولوياتهم وتحديد الخصوم الرئيسين والخصوم الثانويين بدقة. لهذا قد تجدهم أحيانا يتحالفون مع خصومهم الرئيسين معتقدين أنهم لا يزالون ثانويين، ضد خصوم ثانويين، يعتقدون أنهم لا يزالون خصوم رئيسيين.
إحدى مهمات الثورة أنها تخرج عفن الماضي وتقيحاته إلى السطح حتى يسهل التخلص منها، وليس من أجل أن نتصالح معها.
جريمة صالح التي لا تغتفر هي انه اخرج لنا جماعة الحوثي من سرداب التاريخ وسلمها رقاب اليمنيين. ضمن لعبة الخصومة المكلفة التي نتحدث عنها والتي عادة ما تكون مقرونة ومدفوعة برغبة الانتقام. صالح دفع ضريبة خطيئته وسيظل حزبه وأسرته يدفعونها إلى أن يتلاشوا، لكن تلك الجريمة لا تزال قائمة وهناك من يدعو للسلام معها، وربما التحالف!
أما السياق فهو كما في كل مرة سياق الخصومة المكلفة.