قوى الثورة وشروط التغيير

قوى الثورة وشروط التغيير
كان غاية ما يسعى اليه النظام السعودي أن يعيد اليمن إلى حقبة ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962 وما قبل 14 أكتوبر، وإخراجه من دائرة الاتفاقات الدولية، وبناء العلاقة السعودية مع اليمنيين على أساس القوة والتبعية أي على أسس لا علاقة لها بالأسس القانونية التي تضمنها الاتفاقات والمواثيق الدولية، وقد مكنهم زمرة من الخونة اليمنيين مما هو أبعد من ذلك بكثير، صنعاء وقد عادت الى حضن الإمامة بنسختها الكهنوتية الخمينية منذ سنوات، وهاهي عدن تعود الى كنف القوى الإمبريالية على يد مجاميع مليشاوية مستأجرة بعد عقود من النضال والكفاح الباهظ الثمن في سبيل تحقيق بناء الدولة اليمنية الحديثة على كامل التراب اليمني.
اليوم وبعد خروج عدن كليا عن خارطة المشروع الوطني اليمني الجامع، وفشل القوى التقليدية في الدفاع عنها كما فشلت سابقا في الدفاع عن صنعاء وفشلها في الخروج باليمن الى من محنته، باتت القوى الشبابية الثورية أمام لحظة تاريخية من حياة شعبنا وأمام واقع بالغ التعقيد وامتحان صعب، يستدعي منها أولا الوقوف أمام الأخطاء التي أدت بنا الى هذا الفشل الذريع والهاوية السحيقة التي انحدرنا إليها، ثم العمل على استنهاض الشعب واستعادة زمام المبادرة والكفاح حتى دحر الإمامة من صنعاء وطرد الاحتلال من عدن، وبسط نفوذ الدولة وقطع يد الوصاية والسير في استكمال مشروع بناء الدولة اليمنية الحديثة الحضاري.
 
فشلنا، ولأسباب ذاتية عدة سوف نقول هذا ونركز عليه دوما بهدف تجنيب أنفسنا إلقاء المسؤولية على العوامل الخارجية وتجاهل العوامل الذاتية ومن ثم الهروب من المسؤولية ورفض المراجعة النقدية
 
كان خطأ القوى الشبابية الثورية الذي حرمها من تحقيق أهدافها ماثلا في تفرقها وتشتتها، واعتمادها على القوى الثورية التقليدية كرافعة رديئة منذ أن هتفت جميع تلك المكونات من أحزاب وجماعات دينية وقبائل وعسكر وقوى الشباب للتغيير وفي ذهن كل منهم عالم مختلف تماما عن العالم الذي يحلم به الآخر، حيث رأت أطرافا تقليدية في عالم ما بعد الثورة أنه عالم يمكن أن تكتمل فيه هيمنتها السياسية على السلطة والثروة، بينما رأت القوى الشبابية في عالم ما بعد الثورة عالما ليبراليا حداثيا تنكسر فيه جحافل الشمولية والرجعية والكهنوت لصالح دولة الحقوق والحريات، الى جانب المراهنة على المجتمع الدولي، فخاضت الصراع مع نظام علي عبد الله صالح وحلفائه داخليا وخارجيا دون رأس حقيقي أي عقل سياسي يوجه الجسم الثوري ويثبت المكاسب وينسق العلاقات والتحالفات، والرأس ليس شخصا ولكن مجموعة من التفاهمات الواسعة حول رؤية وتوجه واستراتيجية وأجندة ثورية وسياسية وطنية كاملة، ثم لم تلبث حتى خرجت الأمور من يدها، ولم تعد قادرة على فعل شيئا ضد تدخل الآخرين.
 
فشلنا، ولأسباب ذاتية عدة سوف نقول هذا ونركز عليه دوما بهدف تجنيب أنفسنا إلقاء المسؤولية على العوامل الخارجية وتجاهل العوامل الذاتية ومن ثم الهروب من المسؤولية ورفض المراجعة النقدية الجادة بينما هذا هو المهم بالنسبة لنا كقوى ثائرة تخوض معركة كبيرة على كل الأصعدة، فلن نستطيع أن نستعيد زمام المبادرة وننقذ ما يمكن أنقاذه قبل فوات الأوان ونتجاوز عثراتنا في هذه المعركة التي فرضت على شعبنا ومزقت بلادنا والتي ربما أُزحنا كليا عنها، ما لم ننجح في فهم أخطائنا وتحمل مسؤولياتنا بصورة أكثر واقعية وجدية نستطيع من خلالها العمل على إعادة الاعتبار للدولة والوحدة والوطن والشعب وحماية مكتسبات الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر فبراير.
 
مسؤولية النظام السعودي وشركائه عن الكارثة اليمنية لم تعد خفية بعد اليوم عن أحد ولايمكن حجبها ولا إغفالها لأنها واضحة كالشمس، إلا أن التركيز عليها لا يفيدنا سوى في إظهار فداحة الظلم الواقع على شعبنا، أما التركيز على دورنا فهو يرمي إلى إصلاح سلوكنا الثوري والسياسي واستعادة زمام المبادرة، بمعنى آخر لن يفيدنا كثيرا ولن يوسع من هامش مبادراتنا الذاتية إبراز وحشية النظام السعودي وشركائه وعدائهم التاريخي لليمن.
 
إن تغيير شروط الصراع لصالح القوى الوطنية الشبابية التي آمنت بقيم الثورة اليمنية سبتمر وأكتوبر وفبراير ومدنية الدولة ووحدة التراب اليمني وحداثة المجتمع يتوقف على صحة مساءلتها ومحاسبتها لنفسها وتعديل سلوكها، ورسم استراتيجياتها السياسية الخاصة ومن وراء ذلك تعلم الاعتماد على الذات في السير على خطى نضالية ثورية وسياسية واضحة المعالم والأهداف هذا ما نملك التأثير عليه، أما محاسبة النظام السعودي وشركائه في الجريمة فهذه مسألة أخرى ينبغي أن يتم متابعتها على المستوى السياسي والقانوني في الساحة الدولية.