فرص التسوية التاريخية وآفاقها!

فرص التسوية التاريخية وآفاقها!
بقلم 
بعد طول انتظار بدأت عجلة السياسة في التحرك، في اتجاه مكمن الخلل الذي ساهم في إطالة أمد الحرب بعد أن دخلت عامها الخامس.
لقد ظل إصلاح وضع المنظومة السياسية للشرعية في مقدمة المهام المطروحة، وذلك من أجل توفير شروط إعادة ضبط العلاقة مع التحالف العربي الذي أصبح يعمل في سبيل إضعاف الشرعية التي وفرت له الغطاء القانوني للتدخل في اليمن وحماية مصالحه. الأمر الذي يعزز حالة الشتات وتأخير حسم المعركة مع جماعة الحوثي.
لقد ظل هذا يحدث لأن الأحزاب السياسية تخلت عن دورها في حماية المرجعيات. وها هي اليوم تعود لتشهر ما سمي بـ"التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية" الذي أعلن عنه مؤخرا بالتزامن مع انتخاب هيئة رئاسة جديدة للبرلمان.
 
بالرغم من أن أدبيات التحالف الجديد لم تتطرق لمسار التحول الديمقراطي الذي بدأ مع ثورة فبراير ولم تقدم قراءة موضوعية للأسباب التي أدت إلى سقوط البلد في يد تحالف الثورة المضادة، إلا أنها أكدت على التمسك بالمرجعيات الأساسية لهذا التحول وفي مقدمة ذلك المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرار 2216، بالطبع دون الخوض في التفاصيل، بالرغم من أن مياه كثيرة كانت قد جرت خلال المرحلة الماضية وأخرى لا تزال تجري، اليوم الأمر الذي يفترض إعادة تكييف هذه المرجعيات مع الواقع الحالي ومع متطلباته.
 
إذا كانت المبادرة الخليجية لا تزال فعلا مرجعية فيجب الانطلاق منها وإعادة قراءتها وفقا لهذا الواقع القائم وأيضا استلهام مخرجات الحوار الوطني لبلورة تصور واضح حول كيفية إدارة وضع الحرب ومجمل العلاقات القائمة.
ويبدو من الجيد ان وثيقة التحالف الجديد لديها تصور مبدئي في هذا الشأن.
إذن هذا هو المدخل الحقيقي لاستئناف أي نشاط سياسي وأيضا للقيام بدور يقع في صلب المهام الوطنية المطروحة والتي لا يمكن التهرب منها بأي حال.
 
السلطة الشرعية اليوم أصبحت بحاجة إلى إعادة ترميم واستنهاض لتصبح عند مستوى المرحلة. لكن هذا لن يحدث بدون استنهاض الأحزاب السياسية، بناء على تسوية تاريخية، تضع الأساس الموضوعي لتجاوز الماضي وأرثه الثقيل، وبما يساهم في التصدي المسئول لقضايا الحاضر، وفتح الباب أمام المستقبل.
بمقاربة تسوية تاريخية تخرج البلد من الوضع القاتم الذي أصبحت فيه. هناك حقائق تاريخية, وهناك خطوط عامة وهناك معطيات على الأرض يمكن الانطلاق منها، وخطة شاملة لإحلال السلام.
أولا الحقائق التاريخية:
اليوم هناك أربع قوى سياسية تقليدية لا تزال محتفظة بجماهيريتها وفاعليتها على الأرض. وهي قوى ساهمت في الماضي في تبلور مشروع الدولة الوطنية سلبا أو إيجابا.
 هذه القوى هي: الحزب الاشتراكي اليمني، التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح.
 
لا يزال التاريخ يثقل كاهل الحاضر، الأمر الذي يعطل إمكانية الانتقال للمستقبل، بينما التسوية التاريخية، من الممكن أن تصبح أساس لتخلق واقع سياسي جديد يساعد على هزيمة الانقلاب ومحو أثاره، وأيضا يسمح في انبثاق مشاريع جديدة وجادة.

تقول حقائق التاريخ, أن الزمن في دورته منذ فجر الثورتين سبتمبر وأكتوبر، قد جار على هذه القوى جميعا, كل واحدة بطريقة مختلفة.
 ولا يزال مسلسل الانهيارات يتواصل بالنسبة للبعض بشكل مباشر أو غير مباشر بينما يمكننا النظر إلى هذه الأحزاب جميعا بأنها أصبحت تشكل المنظومة السياسية التقليدية في البلد وانه من مصلحة الجميع حمايتها والحفاظ عليها لكن من منظور مختلف هذه المرة.
 
ليس فقط لأن التهديدات القائمة اليوم موغلة في الرجعية وتهدد بنسف مكتسبات الدولة الوطنية وكذلك الأساس الضروري لأي تحول تاريخي، سبق لثورة فبراير أن أكدت عليه. ولكن أيضا بسبب وجود تربص إقليمي يسعى إلى إعادة تشكيل اليمن وفقا لمفاهيمه ومنظومة قيم لا علاقة لها بالديمقراطية والجمهورية والعدالة والمساواة. إلى جانب تربص دولي أصبح يظهر على هيئة تصريحات لمسئولين كبار في بعض الدول الغربية ترى أن الحل في اليمن سيتحقق فقط بإيجاد شكل آخر من الديمقراطية الهدف الأساسي منه تأبيد الوضع القائم اليوم وسجن تطلعات اليمنيين بداخله. (بعض التصريحات تتحدث عن الديمقراطية لتوافقية وعن كون جماعة الحوثي أقلية ينبغي إعطائها نسبة ثابتة في الحكم).
 
إلى جانب أيضا أن حزب كالإصلاح يواجه تهديد وجودي لكيانه، على نحو لا يمكن معه المواجهة بصورة منفردة وضمان النجاة ودون تعميق. ما يعني ضرورة تقديم التنازلات وإعادة بناء المنظومة السياسية في البلاد بما يسمح في مواجهة الأخطار بشكل جماعي وأيضا التصدي لقضايا الواقع وحلحلتها كشرط أساسي لتجاوز أي مخاطر. الأمر نفسه بالنسبة للمؤتمر الشعبي العام الذي أصبح يواجه تهديد وجودي من خلال عمليات الشق والتفريخ وتحول جزء كبير منه إلى أذرع أمنية وعسكرية لتنفيذ أجندة معادية للشعب.
وهذا يحدث لأن المؤتمر الشعبي العام المنحاز للشرعية والرافض للانقلاب فشل حتى الآن في الوقوف على أرضية صلبة تجعله قادرا على الحفاظ على كيانه المستقل وقادرا على القيام بدور وطني فاعل يساهم في الخروج من الوضع القائم لا الإسهام في تعقيده وتعريض وجوده للخطر.
بالنسبة للاشتراكي والناصري، فهما حزبي الحركة الوطنية الذين كان لهما دور بارز في تبلور المشروع الوطني وتأسيس الدولة الوطنية. لكن الهزات التي تعرض لها الحزبين جعلتهما غير قادرين على إعادة لملمة الصفوف بالرغم من القاعدة الشعبية التي لا تزال مخلصة.

تجاوز حالة الضعف هذه ظل مرهونا طوال الوقت بزوال نظام الاستبداد ورد الاعتبار للتاريخ وإعادة بناء عملية سياسية متكافئة.
غير أن خطورة بقاء هذين الحزبين في وضعهم الراهن لا يأتي من ضعف الدوار النضالي الحالي، ولكن من حقيقة أن المشاريع الأخرى المطروحة ذات طبيعة رجعية ومعادية لقيم الجمهورية والديمقراطية والتحديث. عوضا عن أن استمرار مسلسل الانهيار الوطني وتفضيل كل حزب أن يواجه مأزقه منفردا، يجعل قواعد هذه الأحزاب عرضة للاستقطاب المدمر وأدوات تخريب في يد القوى المعادية للشعب سواء كانت داخلية أو خارجية.
 
إذن المنظور الجديد الذي يجب أن يحكم التسوية التاريخية، لابد أن ينطلق من حقيقة انه لم يعد هناك حزب أفضل من حزب. أمام منطق التاريخ أصبح الكل سواء. فقد تجرع الجميع من نفس الكأس ومن يصر على التعامل وفق المنظور القديم فهذا لأن نصيبه من الخراب لم يكتمل ولا يزال الكثير في انتظاره وهو خراب بلا حدود معينة بحسب ما يقوله واقع اليوم. بينما التسليم بمنطق التاريخ وان الجميع سواء هو البداية الممكنة للجم الانهيار والاحتفاظ بالمكتسبات الوطنية.
 
الحزب الذي لا يزال يعتقد انه الأقوى من الأخر والأحق في الانفراد بإدارة دفة الأمور وفق منظوره الخاص وبناء التحالفات الجزئية (كما هو حال المؤتمر والإصلاح) لمجرد انه يمتلك إمكانيات اقتصادية (في الغالب غير مشروعة) وفائض جسارة في اقتفاء الأخطاء؛ في أحسن الأحوال هذا الحزب سوف يواصل عملية تسربه إلى أحضان المجهول جالبا لنفسه الويلات ومخربا لأي إمكانية في تعافي البلد.
اليوم مطلوب من الجميع الاعتراف، أنه لو لم تكن محنة الناصرين لما كان المؤتمر, فالمؤتمر قام في الأساس على خراب الناصرين بعد الانقلاب على دولة الحمدي وقتله.
 
ولو لم تكن محنة الاشتراكي لما كان الإصلاح والمؤتمر عوضا عن كونهما ساهما في إشعال الحرب التي سيظل الاشتراكي يعاني منها لعقود. لكن أيضا للاشتراكي والناصري مسئولية ذاتية تتمثل في فشلهم في إدارة الصراع على النحو الذي يحفظ للدولة الوطنية مكتسباتها.
لعل الحقيقة التي لم يعد هناك مجال لإخفائها باتت تقول أن الفرصة الوحيدة الممكنة هي التعامل مع كل القوى السياسية بكونها مساوية لبعضها. على الأقل خلال هذه المرحلة الحساسة التي تتطلب تعامل ندي وشفافية مطلقة. وهي مرحلة حرب وعمل مشترك وليست مرحلة استحقاقات يمكن إدارتها عبر العملية الديمقراطية.
ثانيا الخطوط العامة (المرجعيات):
في الخطوط العامة علينا العودة للمبادرة الخليجية والياتها التنفيذية ومخرجات الحوار والقرارات الدولية. في الأساس ترتب هذا المشهد اثر ثورة شعبية, وبالأصل لأن القوى الثورية لم تنجح في بناء تنظيماتها ولم تمتلك أدوات الذهاب بالفعل الثوري خطوة ابعد. غير انه يبقى أن القوى التي قدمت نفسها كممثلة للثورة لا تزال اليوم مطالبة بأن تمتثل للإرادة الشعبية وتعكس ذلك من خلال طرحها ومواقفها. لأن النظام كان على وشك أن يجهز عليها لولا الفعل الشعبي الذي ضمن لها عمر ودور جديد.
إذن هنا يجب أن يكون هناك برنامج مشترك للقوى التي مثلت الإرادة الشعبية. مضمونه الإخلاص للقضايا التي طرحتها الثورة من خلال استيعابها وتحويلها إلى سياسات للنضال. تحقق هذا في مؤتمر الحوار لكن بصورة مائعة مع تغيب القضايا الجوهرية. فالناس ثارت ليس لأنها مهتمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان, ولكن لأنها لم تعد تطيق العيش تحت وطأة ظروفها المعيشية تلك. لأنها تبحث عن عمل وصحة مجانية وتعليم مجاني وضمان اجتماعي وفي الأساس دولة تمتلك إستراتيجية واضحة تتكون من عنصرين بارزين: الأول يهم القوى الشعبية وهو التنمية كشرط أساسي لحل كل تلك القضايا المعيشية. الثاني يهم القوى السياسية على الأقل الممثلة للثورة وهو الحرية لأنها لن تستطيع العمل من اجل تحقيق التنمية بدون حرية.
 
بالطبع البرنامج لم يتغير وان تغيرت المعطيات. فاشتعال الحرب واستمرارها دليل على أن الأزمة عميقة وان النخب والأحزاب قد فشلت في وضع المقاربة الصحيحة للقضية الوطنية كما طرحتها الجموع المفقرة, لهذا لم يكن هناك تصدي مرن على الأقل للحاجات الملحة.
إذا أردنا إعادة ضبط وإصلاح المنظومة السياسية علينا أن نقف أمام المبادرة الخليجية والتي عملت على تقسيم السلطة بين أحزاب المشترك وبين المؤتمر.
نحتاج أن نعيد قراءة هذه الآلية وفقا لمعطيات اليوم ووفقا لحقائق التاريخ وتلك الخطوط العامة.
 
هناك أربع قوى سياسية تقليدية يمكننا العمل معها من اجل إعادة إصلاح المنظومة السياسية للشرعية لكن وفق حقائق التاريخ. أي لم يعد هناك طرف أفضل من طرف. هذه الأحزاب هي: الاصلاح، المؤتمر المؤيد للشرعية، الاشتراكي، الناصري.

بالنسبة للمشترك هناك ثلاثة أحزاب رئيسية: هي الإصلاح الاشتراكي الناصري. بقية الأحزاب من المعيب القول أنها أحزاب بينما لا تمتلك أدنى الشروط لامتلاك هذه الصفة. ومن المعيب أكثر أن يتكرر هذا مع التحالف الجديد كما رأينا.
 
هذه الأحزاب الصغيرة لا يصح إشراكها في إدارة المرحلة التي هدفها في الأصل رد الاعتبار التاريخي للأحزاب وللسياسة واستنهاض ما يمكن استنهاضه. بالطبع من حق هذه الأحزاب الصغيرة أن تبقى أحزابا وان تعمل من اجل اكتساب ثقل سياسي واجتماعي لأجل المستقبل. فالأحزاب التي عليها إدارة المرحلة من واجبها فقط إعطاء الوعد للأحزاب الصغيرة بأن تحصل على فرصتها في المستقبل بعد استعادة البلاد وتهيئة المجال السياسي أمام كل القوى.
بالنسبة للمؤتمر ينطبق على الأحزاب الحليفة له ما ينطبق على باقي أحزاب المشترك. إلى جانب معالجة المتغير الذي جعل المؤتمر ينقسم إلى ثلاثة أقسام. وهي: مؤتمر مع الحوثي ومؤتمر صالح غير المعترف بالشرعية ومؤتمر معترف بالشرعية ويعمل معها.

ما يعنينا أثناء العمل على إصلاح المنظومة السياسية للشرعية هو القسم الثالث من المؤتمر. أي ذلك المعترف بالشرعية والذي كان له موقف واضح من الانقلاب. أما استبعاد القسمين الآخرين فهو في الأساس يأتي من كونهما عملا بجد من اجل الانقلاب على المبادرة الخليجية وباقي المرجعيات. ولا يحق لهما المشاركة في أي تسوية أو تحالف قائم على تلك المرجعيات وبهدف استعادة الدولة. مع إبقاء المجال مفتوحا أمام كل من يريد العودة عن خطئه. بالنسبة لمن هم مع الحوثي بالتخلي عنه ولمن لم يعترفوا بالشرعية بالاعتراف بها. على أن يعودوا كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات وليس من حق أيا منهم تقلد مسئولية عامة في الدولة أو منصب قيادي في الحزب. وبعد انتهاء الحرب يكون هناك رؤية شاملة للتعامل مع مشاكل الحرب لمعالجة وضعهم عقابا أو عفوا.

إذن هناك أربع قوى سياسية تقليدية يمكننا العمل معها من اجل إعادة إصلاح المنظومة السياسية للشرعية لكن وفق حقائق التاريخ. أي لم يعد هناك طرف أفضل من طرف. هذه الأحزاب هي: الاصلاح، المؤتمر المؤيد للشرعية، الاشتراكي، الناصري.
ثالثا المعطيات على الأرض:
تقول المعطيات على الأرض أن هناك قوى بالفعل موجودة. وفي صدارتها: جماعة الحوثي، قسمي المؤتمر، المجلس الانتقالي الجنوبي، القوى السلفية.
بالنسبة لجماعة الحوثي وقسمي المؤتمر يكون التعامل معهم من زاوية أن أي مبادرة لإصلاح وضع المنظومة السياسية للشرعية يجب أن تستوعب حقائق التاريخ, أن تستوعب المرجعيات (الخطوط العامة), أن تستوعب المعطيات على الأرض, وان تشتمل خطة للسلام.
 
لهذا جماعة الحوثي وقسمي المؤتمر يتم استيعابهم ضمن خطة السلام. فالمطلوب منهم أن يعترفوا بالشرعية, يسلموا السلاح للدولة, يحرموا من المشاركة السياسية خلال فترة الحرب وإعادة الاعمار. مقابل الاحتفاظ بحقهم في بقائهم مكونات سياسية, وأيضا ضمان عدالة انتقالية تعالج كافة مشاكل الحرب. ما لم فالحرب من اجل فرض السلام بالقوة هو الحل الوحيد.
بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي فيدخل كمكون خامس من مكونات المنظومة السياسية, الى جانب باقي قوى الحراك، مع ضمان أن يكون هناك رؤية لإعادة النظر في القضية الجنوبية وسبل حلها بعد انتهاء الحرب. وليكن من بينها الاستفتاء حول تقرير المصير أو حول الفيدرالية ويكون الجنوب إقليم. أو الفيدرالية ويكون الجنوب إقليمين.
بالنسبة للسلفيين سيكون عليهم من أجل استيعابهم كمكون سادس في منظومة الشرعية، أن يتجمعوا في ائتلاف سياسي ويؤمنوا بالديمقراطية.

هكذا يصبح لدينا ست قوى سياسية هي المعنية بمواصلة الحرب من أجل فرض السلام وإعادة الأعمار ووضع البلد على مصاف الانتقال السياسي.
خلال فترة الحرب, بناء على رؤية عسكرية, من الضروري إعادة ترتيب وضع الجيش وفقا لمخرجات الحوار الوطني واستيعاب كل المقصيين والمسرحين.
 
بالنسبة لطريقة اشتراك هذه القوى في إدارة الدولة فتقوم على أساس تحديد المناصب السياسية في الدولة. وهي كل منصب من الممكن انتخاب من يتقلده شعبيا أو سياسيا. كمجلس النواب (الجمعية العامة) والمجالس المحلية (البلديات) ورئيس الجمهورية في الانتخابات الشعبية. والحكومة في اختيار مجلس النواب.
ما عدا ذلك فتبقى أمور تتعلق بشئون الدولة التي يجب أن تحتكم لإستراتيجية عامة ومعايير دقيقة انطلاقا من المصلحة العامة للبلد والشعب. من حق الأحزاب أن تمتلك حق الرقابة عليها والتوصل إلى أفضل الصيغ بشأن إدارتها لكن ليس المحاصصة بها أو الوصاية والهيمنة عليها. بل أمر كهذا من الممكن وصفه بالجريمة التي تمس بسيادة الدولة.
 
إذن هذه المناصب السياسية هي ما يتم توزيعها بالتساوي بين الأطراف السياسية الستة مع اعتماد آلية الحوار الوطني في التوزيع عندما يتعلق الأمر بالجنوب والشمال وبالشباب والمرأة. ومع الإبقاء على المرونة الكافية في التوزيع والتنسيق بين القوى السياسية وأيضا الاحترام الواجب للقواعد. على أن يبقى هادي رئيسا توافقيا بسلطات محددة لفترة انتقالية جديدة.
كما نرى لا يزال التاريخ يثقل كاهل الحاضر، الأمر الذي يعطل إمكانية الانتقال للمستقبل، بينما التسوية التاريخية، من الممكن أن تصبح أساس لتخلق واقع سياسي جديد يساعد على هزيمة الانقلاب ومحو أثاره، وأيضا يسمح في انبثاق مشاريع جديدة وجادة.
 
إهدار فرص التسوية التاريخية، يجعل من التحالف الجديد هشا وبلا أفق، بل تكتيكا قد يعقد الوضع القائم أكثر. لكن حتى مع إهدار هذه الفرص وحتى مع فشل التحالف الجديد، ستبقى التسوية التاريخية مطروحة على جدول أعمال المستقبل الذي لن يصبح مستقبلا إلا إذا امتلك إرادة جادة وفعالة لتجاوز الماضي، بحيث لا يظل الماضي يتدفق إلى الحاضر، ولا نظل نعود في كل مرة إلى نقطة البداية.
وسام محمد

صحفي يمني