عن جذور ما بتنا نعيشه!

عن جذور ما بتنا نعيشه!
بقلم 
الحديث عن أزوف ساعة الحكومة الشرعية في اليمن, لصالح الانقلابات والأذرع الاقليمية وأيضا الخراب والفوضى, لم يعد مجرد هاجس عند اليمنيين.
بل حقيقة يؤكد عليها واقع الحال: ما آلت إليه المعركة في مواجهة الانقلاب, ثم بالنظر إلى برنامج عمل مختلف الفصائل المسلحة على الأرض داخل المعسكر المناوئ للحوثي, وليس انتهاء بالطريقة التي يواجه بها رجال الدولة مختلف الأزمات وقبل ذلك المسار الذي اتبعوه منذ بداية الحرب. إلى جانب التبعية المطلقة للخارج.
 
يمكن رصد مظاهر عدة ليس فقط لاثبات أن ساعة أزوف الشرعية قد حانت كتحصيل حاصل, ولكن أيضا لتلاشي البلاد التي لطالما عرفناها وأردنا ان يكون مستقبلها مختلفا عن واقعها وماضيها. ما تبقى اليوم هو عبارة عن مسرح عمليات لمعارك ونزعات ربما سنحتاج لعقود حتى نستطيع كبح جماحها.
 
على أن التطورات الأخيرة, في الجنوب, وانعكاساته في أروقة التحالف السعودي, ثم حالة الغبن وقلة الحيلة التي تسيدت في أوساط فئات شعبية واسعة. كل هذا بات يؤكد أننا أصبحنا في مرحلة ما بعد السياسة. السياسية بما هي أداة لتوازن المصالح العامة والخاصة وبرنامج عمل لتسيير دفة الأمور إلى الإمام سواء على نحو رشيد أو بشكل خاطئ كما درجت عليه العادة.
 
ويمكن رصد مرحلة ما بعد السياسية من خلال استعراض أبرز مظاهرها:
يأتي في مقدمة هذه المظاهر, أن الأحزاب السياسية التقليدية التي فشلت في ادارة وضع ما بعد الثورة, أصبحت فاقدة للشرعية الأمر الذي ينعكس على وضعها حيث أصبحت إما متآكلة ومتوارية خلف فشلها وعجزها, وإما منسحبة إلى ميدان الجماعات المسلحة الطارئة كنتيجة طبيعية لغياب العقل السياسي وتراكم القوة المادية. لكن أيضا لتوفير شروط الالتحاق بتلك القوى التي سبقت في الانسحاب.
 
يسود الانحطاط على ما عداه وتضيع كل الاعتبارات الأخلاقية والوطنية. جماعات تقاتل من أجل نفسها, أو تلتحق بتلك التي تعادي القيم التي تأسست عليها. بينما القطاعات الشعبية الواسعة هي من تدفع الثمن.
 
وجود القوى السياسية التقليدية في اليمن, تخلق بطريقتين. الأول من رحم النضال الوطني في مواجهة الاستعمار والاستبداد وتأسيس الدولة الوطنية. الثاني عبر الارتباط بالدولة وإدارتها والتعبير عن مصالح فئات محددة ليست كل الشعب ولكن على النحو الذي ظل يمنحها طاقة البقاء والاستمرار.
في مسار هذا التشكل كان قد تم انهاك وتصفية القوى السياسية المنتمية للطور الأول, على مراحل,  لصالح القوى السياسية المنتمية للطور الثاني وغالبا بالاعتماد على أدوات من خارج السياسة بل ومناوئة لها, معادية للدولة وتقف على الضد منها.

الجماعات الدينية والقبلية العصبوية المتحالفة مع العسكر ورأس المال الطفيلي. وبدعم ورعاية من الخارج ومن دوائر استخبارتية تابعة لقوى الاستعمار.
هذا الوضع هو من أستدعى وأهل قوى تنتمي إلى نفس المدرسة لكنها أشد عصبوية وراديكالية لتصبح متسيدة على مشهد اليوم.
 
لم ينشأ هذا الوضع من فراغ إذا. حيث تسقط الأحزاب والسياسة وكل ما له علاقة بالدولة, لصالح سيادة جماعات ما قبل وطنية, تستند للقوة العارية وإلى دعاوى موغلة في رجعيتها. ثم أيضا بالاعتماد على الخارج.
 
الأدهى أنه لا يوجد حتى الآن من يعنيه بحث ودراسة المسارات الخاطئة التي أوصلتنا إلى هذا الوضع. وفيما تتسيد جماعات رجعية وثقافة عنصرية مقيتة. فإن القوى السياسية التقليدية, حتى وقد غدت شبحا, فإنها بما تبقى لديها من إرادة وطاقة للفعل تبدو أكثر ميلا لمواصلة التدمير الذاتي من خلال خوض الصراع من نفس المستوى الذي تخوضه القوى الصاعدة بنفس أدواتها. لكن مع غياب واضح للقدرة على الموكبة. وهناك من بات يتماهى مع هذه الجماعات من موقع متذيل ومثير للشفقة.
 
لو أننا نحصر القوى السياسية التقليدية بأربعة أحزاب هي المؤتمر والاصلاح والاشتراكي والناصري. فإن القوى الصاعدة التي أخذت تملاء الفراغ الذي تركته هذه الأحزاب, هي الحوثي, الانتقالي الجنوبي, السلفيين, أما القوى الرابعة فهي خليط من كل القوى الأخرى تثبت بفعلها وبطبيعة رؤيتها للأمور أنها أصبحت جزء من قوى ما بعد السياسة. أي قوى معادية للوطنية اليمنية.
 
حيث يسود الانحطاط على ما عداه وتضيع كل الاعتبارات الأخلاقية والوطنية. جماعات تقاتل من أجل نفسها, أو تلتحق بتلك التي تعادي القيم التي تأسست عليها. بينما القطاعات الشعبية الواسعة هي من تدفع الثمن. لكن مصطلح مرحلة ما بعد السياسة سيبدو اكثر وضوحا عندما نجد أن المجتمع أصبح خارج الفاعلية وليس هناك من يمثله أو حتى يعبر عن معاناته كسند أمل على الأقل. الأمل الذي لولاه لأصبحت الحياة جحيما. بتعبير أخر أو كما هي حياة اليمني اليوم.
 
بالطبع هي مرحلة, غربلة تاريخية, عادة ما تمر بها الشعوب, قد تطول, لكنها ليست النهاية.
لهذا ربما حان القول: ليدفن الموتى موتاهم, ولتصبح المعركة جديرة بالنزال الضاري.
ومن وسط الاحتدام سوف تشرق شمس الحرية حتما.
وسام محمد

صحفي يمني