عرين النهار

عرين النهار
عندما ترجلت الحقيقة عن جواد الزمن ، ودلفت إلى مغارات التضليل المعتمة ، لم نعد نرى إلا الليل المغلّف بالغموض الأبدي ، الذي ضرب حصارا ًطويل الأمد حول قلاع النهار البعيدة ، فكان لزاما ًعليه أن يغادر قلاعه ، ويرحل إلى المنفى ، وإذا غربت الحقيقة فليس هناك غيرالأكاذيب ، ولابد أن يحتل الليل عرش النهار ، وينفخ رياحه العاتية ، لتقتلع ما تبقى من أعمدة بيضاء كانت يوم ما راسخة كالجبال.
توارى الحلم خلف الغيوم البعيدة ، وإمتطى الليل جواد الزمن وأسرج مشاعله الزائفة ، وغرسها في قلوب العبيد ، الذين سجدوا له ، وسبّحوا بحمده ، وألتهموا بقايا لحم الوطن ، وبقايا عزتهم التي تخلوا عنها مقابل أثمان بخسة.

وأستمرّعصرالظلام ، وتعاظم حكم الشيطان ، وارتدى رواد النهار، أقنعة الصمت ، والخوف ، والنورتدثر بالسواد، فلقد أدرك أن وجوده لافائدة تُرجى منه ، فأستكان على رحاب العقل ، ومضى .  
 
ومضت الأيام قُدما ً ، وتعاظم الظلام ، حتى شمل كل القلوب والأرجاء ، وأصاب الليل غرورا ًوفتنة ، حتى سكب أسخامه في كل أرض ، وكل عقل .
 
عندها إنتشى الشيطان وأنتفخت أوداجه ، وتمدد على عرشه فرحا ً , وبغتة ، كان لرواد النهار رأيا ًاخر ،فأجمعواأمرهم لفعل شيئا ًمالإستعادة نورالنهار ، وكانت أولى خطواتهم على طريق إستعادته ، هي نزع أقنعة الخوف والصمت ، وأنطلقت شرارة التغيير الأولى ، وتحقق لهم بعض المكاسب.
 
وأعلن نورالنهار أنه سيخلع ردائه القاتم ، وسيعود من جديد  ، ولكن الليل تحالف مع الظلام ، وعززه الشيطان بمكامن قواه ، وكانت له تحركاته المضادة الواسعة ، وكان أكثر شراسة ، وأكثر قوة ، وخسر النهار جولته الأولى، وتوارى نوره مرة أخرى ، في عرينه ، بإنتظار ، الجولة الثانية ، التي ربما تكون الأخيرة .