ساعتا احتجاز في عدن

ساعتا احتجاز في عدن
مساء الاثنين 5 أغسطس الثامنة والنصف مساء أوقفتنا نقطة تفتيش على ساحل أبين قبل طريق مطار عدن أثناء العودة من ورشة ميكانيك بالشيخ عثمان لصيانة سيارتي المنكوبة، كنت برفقة زميل آخر أوصلني بسيارته بعدما ضربت له صدري بثقة "على مسؤوليتي" حين أفشى لي بمخاوفه من النقاط والمضايقات، وبمجرد أن اكتشفوا اننا من تعز طلب منا التوقف جانبا وسلم هوياتنا لآخر وقاله شوفهم من تعز

اقترب منا جندي شاب هادئ وفورا طلب تلفوناتنا لتفتيشها دون مقدمات متحدثا بنبرة ساخرة وقبل أن يفتش: أصحاب تعز احتفلتم بمقتل ابو اليمامة.. قلنا له معندناش فكرة عن هذا الموضوع ولا من احتفل..
فتش هواتفنا وهي المرة الاولى التي يتم تفتيش تلفوني في عدن للبحث عن إدانة، فوجدوا فيه امورا كثيرة بعضها لم اطلع عليها مثل الفيديو القذر لياسر اليماني - الهمجي مع عفاش وفي صف الشرعية ومواليا لقطر ومستقبلا سيتوج همجيته ربما مع الحوثية- او الصورة المتداولة من تعز عن تشييع جنازة الخارجين عن القانون، أو عن صورة لا أدري كم مضى عليها في هاتفي لمحمد الحوثي..
أخبرناهم ببساطة أننا صحفيون وتصلنا كل الاخبار من كل الجن والعفاريت.. تساءل الشاب اذا فرضنا ان الحوثي مسكك ومعك شي ما يعجبوش وين بابوديكم..
صمتنا بامتعاظ واجبت في نفسي: بيودونا خلف الشمس وما بنتجرأ نقول للارهابيبن الحوثيين انه احنا صحفيين.. ووددت لو أضيف: يبدو انهم غدوا قدوتكم.. تمضون حثيثا على خطاهم..
على كل حال ظلوا لأكثر من ساعة يفتشون هواتفنا ويتناقلونها من جندي لآخر وغاصوا في أعماق خصوصياتنا ويقلبونها ولم نتعرض لأي شتيمة أو إهانة أو تهديد، مع أن التعامل بالهوية وانتهاك الخصوصية والبحث عن إدانة من الهاتف يشكل انتهاكا صارخا وهمجيا للحقوق والكرامة الانسانية.
اخذونا بعدها بسيارتنا إلى حوش صغير بداخله غرفتين على طريق العلم، حيث العمليات، واخبرناهم اننا صحفيون، فطلبوا ما يثبت فعرضنا بطائقنا فاجروا مجموعة اتصالات واخلوا سبيلنا خلال اقل من ساعة اضافة الى الساعة السابقة في النقطة.
قدموا اعتذارهم بود عن هذا الامر واعترضني شخص يلبس ميري ببنية جيدة بلحية وشعر غير منسق اول ما رايته قلت في نفسي: ايش يشتي مننا فيدل كاسترو؟! وكنت قد عدت من البوابة لاحضار ترخيص خروج.. فعرف نفسه أنه قائد النقطة التي احتجزنا فيها وطلب مني الابلاغ اذا كنا قد تعرضنا لأي اهانة أو سوء معاملة او أخذ منا شيء.. فاخبرته انه لم نتعرض لأي اهانة او عنف لفظي او جسدي، فاعتذر وبرر الامر بالاجراءات والاستنفار وطلبوا منا ابلاغ العمليات بوجودنا مسبقا حتى لا نتعرض لأي مضايقات..
هنا لم يفتشوا تلفوناتنا مطلقا وان احتفظوا بها لبعض الوقت..
سألت أحد مسؤولي العمليات "وكيف إذا مسكونا الان واحنا خارجين بأي نقطة" ، فاعطانا رقمه وقال اتصلوا بي أي وقت في أي نقطة، اسماؤكم في العمليات ولكم الأمان.
في طريق العودة الموحشة.. همهم صديقي بحنق.. عادك تقول بثقة على مسؤوليتي "إيري بالرأس"..
ضحكت مثقلا بكل أكوام القهر بداخلي وأنا الذي مضى على وجودي في عدن عشرة أيام في زيارة عمل: طيب قد وفيت بوعدي تخارجنا الآن، ومهم كصحفي تأخذ فكرة كيف يتعاملوا مع الناس..
رد عليا بحنق: قد أخذت فكرة كافية بالزيادة وقد كنت اتخيل ليلتي الأولى في سجن "بير أحمد".. شكرا على الفرصة..
أما أنا كنت أتخيل نفسي مرحلا في في شاحنة مكتظة بالبشر الذين يسوقونهم إلى "الحدود" كأنهم كباش العيد..
كنت انتظر وأتوقع هذا في الحقيقة، وكانت فرصة للاطلاع على كيفية التعامل مع غير الصحفيين وكتابة بضع قصص انسانية.. لكن هذا لم يحدث لحسن حظهم ربما..
تخارجنا بطبيعة الحال بسهولة لأننا صحفيون.. وأن تكون صحفيا فذلك يعطيك بعض الحماية لدى الحزام الامني حتى إن كنت في وسيلة إعلام مصنفة لديهم كمعادية فذلك أفضل لك من أن تكون مواطنا بمهنة او حرفة لا تشكل أهمية لديهم..
وهذه ميزة للصحفيين خلافا لما عليه الحال عند الحوثيين الذين ستضطر ان تخبرهم أنك طبيب بيطري او عامل بوفية أو "مبلط" على أن تخبرهم أنك صحفي أو موظف في منظمة غير مرضي عنها
 
 
لست مضطرا للمقارنة بين عنصرية وأخرى لكن هؤلاء بكل ممارساتهم العنصرية الطارئة والطافحة ليسوا في مقام الحوثية سوى مقلدين وتلاميذ أغبياء أمام الخبرة العنصرية العاتية لأولئك إذ تقوم نشأتها من صرخة الولادة على أساس من العنصرية والتفضيل والتمييز
 
 

لكن هل هذا التصرف فردي؟ .. قطعا؛ ليس فرديا بل منظما وبأوامر عليا والدليل أن يتم بنقاط تفتيش تطبق حرفيا الأوامر العليا.
وهل هو تصرف عنصري؟ .. أي نعم عنصري وقذر إذ تنتقى ويشتبه بك بعد قراءة بيانات الهوية، ويبحث لك عن تهمة بذات الطريقة الهمجية القذرة التي ابتكرتها الفاشية الحوثية للبحث عن إدانات للأبرياء، مع فارق أنها عند الحوثيين عنصرية عامة إذ يشتبهون بكل من ليس معهم أنه ضدهم.
وهل هؤلاء أفضل أم الحوثيون؟
لست مضطرا للمقارنة بين عنصرية وأخرى، لكن طالما انبرى مغول العصر وأساس العنصرية في اليمن في القرن الحالي للتباهي بأخلاقهم، فأؤكد أن هؤلاء بكل ممارساتهم العنصرية الطارئة والطافحة ليسوا في مقام الحوثية سوى مقلدين وتلاميذ أغبياء أمام الخبرة العنصرية العاتية لأولئك إذ تقوم نشأتها من صرخة الولادة على أساس من العنصرية والتفضيل والتمييز.
كل المشاريع العنصرية ليست من الانسانية ولا من الوطنية (حتى الجنوبية المزعومة) ولا تجسد أي قيم انسانية او حضارية ولا تنبئ سوى بعنصرية مريضة متناسلة إلى مستوى العزلة والمدينة والقرية والحارة والاسرة الواحدة بعد الانتهاء من مرحلة العنصرية تجاه الاخر.
كل قهر الدنيا ينتابك وأنت الذي تركت بلادك وقريتك وأهلك جراء تنكيل وإرهاب وعنصرية الحوثي لتجد من يتهمك في مناطق أخرى أنك حوثي.
فهل سيكون ثمة قهر في هذا العالم أكثر من هذا؟!
سامي نعمان

صحفي يمني