زمن الشتات

زمن الشتات
بقلم 

مرات قليلة تمنيت فيها العمل كصحفي محترف. احداها عقب تحرر مديرية مشرعة وحدنان. اردت ان اذهب واقضي اسبوعا هناك حتى اتمكن من توثيق تلك الملحمة التي خاضها الابطال على قمة جبل صبر بإمكانيات ذاتية.
 
حدث هذا خلال العام الثاني من اندلاع الحرب. عندما بدأت تبرز مؤشرات تمييع ما يفترض انها معركة اليمنيين المصيرية. ولعل ابرز تلك المؤشرات تماهي الشرعية اليمنية مع التحالف العربي وايضا عدم تخلق تنظيم شعبي يتكفل بقيادة المعركة نحو اهدافها. اما المؤشر الأخطر فكان بالمعارك الجانبية التي أخذت تتطغى على السطح على حساب المعركة الرئيسية. هذه المؤشرات ستصبح واقعا فيما بعد, الامر الذي سيتعقد معه الوضع وستطول المعركة وستصبح حياة اليمنيين عرضة للشتات كما هو مصيرهم.
 
في وضع مثل هذا يصبح العمل المهم والذي يمكن القيام به هو استلهام النماذج وتعميمها. وفي ظل الاعتماد الكلي على دول التحالف فإن معركة مشرعة وحدنان كما هي معركة تحرير الضالع وكذلك عدن تصبح بمثابة نماذج تستحق التقصي والدراسة والابراز ثم التعميم.
 
بالطبع بفعل ظروف كثيرة لم اتمكن من زيارة مشرعة وحدنان. كما لم اتمكن من اللقاء بأصدقائي هناك لكي يسردوا لي ما حدث على امل ان اتمكن من كتابة ولو بعض أوجه تلك الملحمة.
لكن مع مرور الايام كانت الظروف تتهيأ لكن الدافع كان يخفت.
 
أمام جماعة فاشية كجماعة الحوثي تدعي الحق الالهي في الحكم وتحشد ابناء الفقراء, تبقى الفرصة الوحيدة للمواجهة هي تلك المتعلقة بخوض الحرب بأفق وطني ووفق استراتيجية شاملة هدفها الاساسي ترميم الهوية الوطنية واقامة دولة الشعب.
 
والان اثناء كتابة هذا المقال يكون قد مر علي اسبوع كامل قضيته برفقة اصدقاء من مشرعة وحدنان والعجيب اننا لم نتطرق لتلك الايام التي يفترض انها منحوتة في الذاكرة والتي يجب ان تظل حديث الناس لسنوات طويلة.
 
لا أعرف لماذا اصبح الجميع مستلبا على هذا النحو. ولكن اعرف ان الشتات قد تكفل بنا جميعا. فالجغرافية اليمنية اليوم اصبحت مقطعة الاوصال. فبينما تدور المعارك في اماكن كثيرة إلا انها تظل شأنا خاصا بسكان تلك المناطق وبالجماعات المسلحة التي لا يوجد رابط يربطها ببعضها.
 
أمام جماعة فاشية كجماعة الحوثي تدعي الحق الالهي في الحكم وتحشد ابناء الفقراء, تبقى الفرصة الوحيدة للمواجهة هي تلك المتعلقة بخوض الحرب بأفق وطني ووفق استراتيجية شاملة هدفها الاساسي ترميم الهوية الوطنية واقامة دولة الشعب. لكن هذه الحلقة تبدو مفقودة في الوقت الحالي.
 
أما النماذج فهي تظل تتخلق باستمرار دون ان تحظى بما تستحقه من اهتمام. فالنماذج تظل مهمة للتغلب على حالة الضعف والشتات لكن عندما تصبح الأزمة مركبة والمعركة الواحدة عبارة عن عدة معارك والاهداف والدوافع غير واضحة وعندما تطغى الحسابات الضيقة فإن الخلل يصبح اكبر من أن يتم التغلب عليه بالنماذج على أهميتها واهمية بنائها.
 
تتمظهر الأزمة ووتعمق كما بدت في تلك المؤشرات القديمة: التبعية المطلقة للتحالف والتماهي معه بالنسبة للجيش والشرعية. واغتراب الاحزاب السياسية عن واقعها وتسيد المعارك الصغيرة على حساب المعركة الكبيرة.
وسام محمد

صحفي يمني