اليمن المنسي والحرب التي يجب أن تتوقف

اليمن المنسي والحرب التي يجب أن تتوقف
مضت نحو أربع سنوات منذ اندلاع الحرب التي خاضها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في اليمن، والتي أُعلن حينها أنها من أجل استعادة سلطة الشرعية الانتقالية التي أسقطها انقلاب ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران بالتحالف مع الرئيس المخلوع علي صالح، وهو الانقلاب الذي كان محل رفض وإدانة دوليين تمثلا بصدور قرارين من مجلس الأمن، أحدهما توعّد باتخاذ اجراءات عقابية ضمن الفصل السابع إن لم يتراجعوا عن الاجراءات الانقلابية، وقد منح هذا القرار التحالف العربي الحق بتفتيش السفن القادمة إلى اليمن ومصادرة أي شحنات أسلحة محملة عليها.

وقد عُد ذلك بمثابة تفويض غير مباشر للتحالف العربي المسنود بدعم من الولايات المتحدة والعديد من الدول الكبرى، تحت مبرر إعادة سلطة الشرعية الانتقالية بعد أن تعرضت لانقلاب عطّلها عن إنجاز آخر استحقاقات العملية الانتقالية، وهي الاستفتاء على مسودة الدستور وإجراء الانتخابات، وهي العملية الانتقالية التي تحظى برعاية دولية.
 
ما حدث لاحقًا كان كارثة بكل المقاييس، تكبر مع كل يوم يمر على الحرب، فعوضًا عن إعادة سلطة الشرعية، قفد أُديرَت المعركة بطريقة تفضي لتدمير اليمن وتقويض فرص إعادة الشرعية، وتمضي بعيدًا في الذهاب بالبلاد إلى مخاطر الدولة الفاشلة ودولة الفوضى، وتقطع الطريق أمام قدرة اليمن على أن تكون كيانًا موحدًا مجددًا، وهي الآن أشبه بدويلات صغيرة متناحرة تتحكم بكل دويلة ميليشيات خاصة بها وأي منها عاجز عن حكم اليمن، وفق تقرير لجنة الخبراء لمجلس الأمن، كما خلّفت الحرب أزمة إنسانية غير مسبوقة هي الأكبر في العالم، فأكثر من نصف السكان يعانون من المجاعة، والغالبية العظمى من السكان يعانون من الانعدام الكامل للخدمات الصحية!
 
وعوضًا عن إنشاء جيش يمني موحد تحت قيادة السلطة الشرعية، فقد أُنشِئَت ميليشيا لكل منطقة تتحرر من سيطرة الحوثيين، تتبع الرياض وأبو ظبي بشكل مباشر، ولا تدين بأي ولاء للسلطة الشرعية التي يزعم التحالف العربي أنه يخوض الحرب من أجل إعادة سلطتها.
مضى الأمر على هذا النحو حتى أصبحت 80٪؜ من مساحة اليمن خارج سيطرة الحوثيين.

ومع ذلك، لا يزال الرئيس هادي خارج اليمن بعد أن قضى أغلب السنوات الأربع من الحرب في الرياض، فيما يشبه الإقامة الجبرية، ممنوعًا من العودة ليس إلى صنعاء فقط، بل إلى المناطق التي انتزعها التحالف من سيطرة الحوثيين!
 
يمكن معرفة الطريقة التي تدير بها السعودية حربها وجرائمها في اليمن بإدارتها لجريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فهي ترتكب جرائم بذات البشاعة وتنكرها بذات الاستهتار
 
خلال سنوات الحرب العبثية الكارثية، لم يسأل مجلس الأمن ولا الدول الكبرى التي قدمت المساندة لتحالف السعودية والإمارات: لماذا لم تعد الشرعية إلى المناطق المُستعادة؟ لماذا تُرتكَب كل تلك المجازر بحق المدنيين بإسراف كبير طالت الأسواق والمخيمات والمستشفيات وصالات الأفراح والعزاء والمدارس والأحياء السكنية؟ لماذا تُحاصَر البلاد جوًا وبرًا وبحرًا خلال كل هذه الفترة؟!
 
لقد أغلقت السعودية المنافذ أمام اليمنيين المسافرين من وإلى اليمن، وعوضًا عن استقبال اليمنيين وحسن التعامل معهم، فقد رحَّلَت مئات الآلاف من العمال ورجال الأعمال اليمنيين الذين يعولون ملايين اليمنيين.
لم يسأل العالم التحالف العربي: لماذا يصنع كل هذه الكارثة الإنسانية في اليمن؟! لماذا، وهو الذي يمتلك ثروة هائلة ومخزونا نفطيا هائلًا هو الأكبر في العالم، لم يفعل شيئا للحيلولة دون تعرض اليمنيين لكل هذه المجاعة والكارثة الإنسانية؟!
 
هناك ملايين الناس، وهم الضحايا غير المرئيين للحرب، بسبب الجوع وسوء التغذية، أغلبهم من النساء، سيموتون خلال الأيام القادمة إذا لم يتم إيقاف الحرب الآن!
سيكون من العبث الاستمرار في هذه الحرب التي صرّح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه لا يمانع أن تستمر أعوامًا أخرى، الأمر الذي يوضح مدى استهتار النظام السعودي بأرواح اليمنيين!
 
يمكن معرفة الطريقة التي تدير بها السعودية حربها وجرائمها في اليمن بإدارتها لجريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فهي ترتكب جرائم بذات البشاعة وتنكرها بذات الاستهتار، وحين تضطر للاعتراف بفعل الضغط العالمي فبالتقسيط، مع إلقاء المسؤولية على غير أصحاب القرار بذات الاستعلاء والاستخفاف بالعالم!
 
اليوم جريمة خاشقجي وما خلقته من صحوة عالمية تدين الجريمة قد خلقت صحوة أخرى تطالب بإنهاء الحرب في اليمن المنسية التي تطحنها طائرات بن سلمان منذ أربع سنوات.
هناك أمل حقيقي بأن تفضي هذه الصحوة العالمية المتأخرة جداً تجاه الحرب في اليمن إلى ايقافها والعودة باليمنيين إلى استئناف المسار السياسي.
 
الطريق إلى إيقاف الحرب تبدأ بقرار من أميركا وبقية الدول الكبرى بمنع تصدير السلاح إلى السعودية والإمارات بالتزامن مع قرار من مجلس الأمن يدعو إلى إيقاف الحرب، ويُلزِم السعودية والإمارات بالانسحاب من اليمن

الطريق إلى إيقاف الحرب تبدأ بقرار من أميركا وبقية الدول الكبرى بمنع تصدير السلاح إلى السعودية والإمارات بالتزامن مع قرار من مجلس الأمن يدعو إلى إيقاف الحرب، ويُلزِم السعودية والإمارات بالانسحاب من اليمن، ويشرع في رعاية عملية سياسية يشارك فيها جميع الأطراف تفضي إلى سحب الأسلحة من جميع الميليشيات وإلى تكوين حكومة يشارك فيها الجميع وتتولى إدارة عملية الاستفتاء على مسودة الدستور التي سبق وأن توافق عليها اليمنيون والذهاب إلى الانتخابات المختلفة بناء عليها، وهي المراحل المتبقية من العملية الانتقالية والتي تعطلت بفعل الانقلاب، وإلى تشكيل هيئة مصالحة وطنية تعمل على جبر الضرر وتعويض الضحايا وإعادة الإعمار والتزام السعودية والامارات بتعويض اليمن عما أحدثوه فيها من دمار.
 
إن إيقاف الحرب يتطلب وقف التدخل السعودي-الإماراتي في اليمن، وفي السياق نفسه، يجب أن يُخضَع الحوثيون لمتطلبات السلام وإيقاف الدعم الإيراني لهم وتزويدهم بالسلاح، فهي جماعة مسلحة متطرفة تعادي القيم المدنية وارتكبت قبل وأثناء الانقلاب، وخلال سنوات الحرب، جرائم وانتهاكات لا حصر لها، وتعتنق مبدأ الحكم الإلهي الذي شهدته أوروبا في القرون الوسطى.
 
يجب أن يُقال للسعودية والإمارات والحوثيون بصوت واحد: كفى.
 
لقراءة المقال بصيغته الانجليزية في الواشنطن بوست الأمريكية إضغط هنا
توكل كرمان

ناشطة يمنية حائزة على جائزة نوبل للسلام 2011