النهوض الشعبي وكابح الشرعية

النهوض الشعبي وكابح الشرعية
بقلم 
كانت قضية الجرحى واحدة من القضايا العادلة التي جرى استثمارها في التحريض على حكومة الوفاق الوطني تمهيدا لصعود الثورة المضادة بزعامة الحوثي وصالح ومن خلفهم دعم اقليمي وتواطؤ دولي.
ظلت الناس حينها تتألم وهي ترى معاناة ماثلة لا يمكن غض الطرف عنها, ويزداد الألم كلما تأكد لهم أن نثريات مسئول حكومي واحد يمكنها ان تضع حدا لكل ذلك العناء لو أن هناك من يهتم.
مجرد التفكير بهذا الذي ظل يحدث, سوف يصبح مدخلا اضافيا لتوسيع رقعة الغصص. بأي حق يمتلك حميد أو محسن أو يحيى أو غيرهم كل تلك الأموال التي تكفي لانتشال الملايين من بؤسها.

وإذا كان يحق لهم جني هذه الأموال بقوة السلطة التي يحكمون باسمها وإذا استثنينا ان الشعب هو مصدر السلطة, فهؤلاء الجرحى هم الوحيدين من قدموا صحتهم ودمائهم مع رفاقهم الشهداء لأجل ان تظل هذه السلطة قائمة.
أعرف ان هذا تبسيط أخرق للمأساة التي هي أكبر من قدرتنا على ترجمتها إلى كلمات. لكن حتى هذا التبسيط لا نعرف كيف يجعل المشاكل عصية على الحل؟
اليوم لابد ان نتوقف على واقع هذه القضية (فضية الجرحى والشهداء) وكيف تتعامل معها السلطات الشرعية, وعلى ضوء ذلك يمكننا توقع مقدار الحب أو البغض الذي يكنه الناس للشرعية.
 
إذا كانت الأحزاب ومؤسسات الدولة ومسؤليها لا يتعلمون ويكررون الخطأ مرات ومرات وقضية الجرحى هنا مجرد مثال فقط.، فكيف نطالب الناس العاديين بأن يتعلموا وبأن لا يكرروا الخطأ؟ كيف نتوقع انه لن يتم استغفالهم وتجنيدهم للعمل ضد أنفسهم ومستقبلهم؟
تكرار نفس الأخطاء والجرائم بحق الشعب, سوف يعني دفعهم, للانجرار خلف أي صوت عالي يدعي أنه حريص عليهم, وبهذا يكون قد تم تقديم رقابهم إلى مقصلة الأعداء مرة أخرى.
 
مصطلح الشرعية, أصبح باهتا ومصفرا أكثر من أي وقت مضى, لأسباب يطول شرحها. ما يعني انه لم يعد العنوان المناسب للمجابهة. رغم أنه لم يكن العنوان المناسب من البداية ومن القبح التشبث بهذه الاسطوانات المشروخة وعدم اعطاء تضحيات الناس المعنى الذي تستحقه.
 
ثم ان الاشكالية ليست في المسميات, بل في مضمون الخطاب وفي نزاهة من يتصدرون معركة الشعب والذي يصبح من واجبهم ان يخبروا الناس في كل مرة لماذا عليها ان تناضل؟ لماذا يجب أن ترفض الاجندة المشبوهة, لأجل ماذا؟ وكيف يمكنها فعل ذلك بالاعتماد على قواها الذاتية.
 
مصطلح الشرعية, أصبح باهتا ومصفرا أكثر من أي وقت مضى, لأسباب يطول شرحها. ما يعني انه لم يعد العنوان المناسب للمجابهة.

والأهم كيف يمكنها الاحتفاظ بأي مكسب تحققه. مع الحرص الدائم على تقديم نماذج واضحة يكون من السهل تعميمها.
الناس لن تنهض كما فعلت في السابق طالما المصالح غير المشروعة لا تزال قائمة, الفساد متفشيا, والمطامح الدنيئة تتسيد كل ما عداها.
 
لقد نهضت قطاعات شعبية في بداية هذه الحرب, عندما وجدت ان السلطة التي لم تكن تعبر عنها, قد تم تجاوزها وهناك تحالف للثورة المضادة يسعى لفرض واقع جديد, وكان ذلك يمثل تهديدا وجوديا لحاضر ومستقبل اليمنيين, بمعنى ان ذلك الوثوب لم يكن معني بمصطلحات ومفاهيم لا تعني شيئا ما بالكم وقد اصبح تجسيدها في الواقع باعث على السخط والتململ.
 
لن تنهض الناس مجددا, طالما ان الوعد الذي يمكن تقديمه لها هو أنه من واجبها ان تقاتل وتضحي لكي يستمر السفلة في ممارسة سفالاتهم.
هكذا تزدهر فرص الأعداء من مستنقع العدامة وقلة الحيلة.
بالطبع سيظل معروفا أن المعركة هي معركة الناس. لكن من يحملونها ويعبرون عنها مجرد أدوات بيد من يمكن وصفهم بالأعداء.
 
عندما تتسيد الفهلوة, بينما الاحتدام يبلغ ذروته, في هذه الأوقات غير المثالية تحديدا, فإن الأسوأ يصبح واقعا لا محالة. بهذه الطريقة أو تلك. بالحرب أو بالسلام. بالكلام أو بالصمت.
 
مثلا أصبح الجميع يؤمن ان جماعة كجماعة الحوثي هي بمثابة تهديد وجودي لمستقبل وحياة اليمنيين. وهو ايمان ظل يتعزز مع كل يوم تمر. لكن هذا الايمان أصبح يتسرب لصالح حالة المرواحة.
ثم بفعل الصراعات البينية. وفي المحصلة النهائية لأن حسابات ضيقة أصبحت بمثابة برنامج عمل لدى كل طرف على حدة.
ان وضع كهذا لن يجعلنا نتوقع ان الناس سوف تعود إلى ميدان الفعل, لمواجهة أي تربص حادث أو محتمل.
 
إذا لم يقاتل الشعب من أجل المستقبل الذي يجب ان يعرف من أي نوع هو وكيف سيتحقق. فهو لن يقاتل لكي يصبح مجرد ضحايا في الحرب وفي السلم يتسيد عليهم قتلة من كل نوع.
صحيح ان ظروف الحياة تجبر البعض على الانخراط في الصراع, لكن من موقع المضطر ولأن الحرب أصبحت هي السبيل الوحيد لمواصلة العيش. وهذه مفارقة سوف تحمل أشياء كثيرة بالتأكيد ليس بينها الظفر بالخلاص.
للخلاص شروط مختلفة أبرزها تحييد الكوابح التي تقف في طريق اعادة توحيد الناس خلف قضاياهم ومن أجل حاضرهم ومستقبلهم.
وسام محمد

صحفي يمني