الرمق الأخير

الرمق الأخير
بقلم 

بعودة مليشيات الحوثي الى مناطق ومديريات كانت قد تحررت في محافظة الضالع, والتي تاتي بعد شهرين من الانتكاسة في حجور, وبالتزامن مع استغراق مختلف الاطراف التي يفترض انها تواجه الحوثي في صراعات بينية, تكون البلد بذلك قد دخلت عتبات الرمق الأخير.

منذ تفجر المقاومة الشعبية في الضالع وعدن وتعز, فإن مليشيات الحوثي وجيش صالح, حتى مع فارق القوة في السلاح والعتاد والافراد وخبرة الحرب التاريخية, فإنهم كانوا يعجزون عن العودة الى المناطق التي يتم طردهم منها. برغم كل الاستماتة التي ظلت قائمة. لكن هذا أصبح يحدث مؤخرا وبأكثر من طريقة ولأكثر من سبب.

 

عندما قتل صالح على يد حلفائه الحوثيين في ديسمبر من العام قبل الماضي, حدث ان القاعدة الاجتماعية لجماعة الحوثي ضاقت الى أدنى مستوى, وظل استثمار الوضع الجديد مرهون بتحرك جدي من قبل معسكر الشرعية. كان ارتباك الحوثي واضحا لكن الشرعية اكتفت بارسال تعازي لأسرة صالح وفتح الباب على مصراعيه امام كوادر حزبه الذين ظل موقفهم متذبذبا منذ بداية الحرب.

 

وهكذا اعاد اتباع صالح تموضعهم ضمنيا في جبهة الشرعية مع استمرار العداء الصريح والضمني لها باستثناء الجناح المؤتمري الذي كان قد التحق بالشرعية في وقت سابق. وظل يجمع الطرفين نفس التوجه: اعادة التموضع في بنية السلطة الهشة سواء من بالتسلل من شقوق الشرعية او باستثمار الفراغات التي تركتها على الارض. يتشارك الجناحان ومعهم الاصلاح نفس الاعتقاد ومفاده ان مستقبلهم مرهون بمدى قدرتهم على اعادة التموضع في بنية السلطة او في الهيمنة على الارض بعيدا عن التطلعات الشعبية.

 

يستطيع الناس البسطاء الذين ظلت الدولة تناصبهم العداء التفريق بين طبيعة الظرف التاريخي الذي يفترض الاصطفاف خلف هدف وحيد متمثل بهزيمة المشروع الحوثي الذي هو بمثابة عدو تاريخي ومهدد وجودي لحاضر ومستقبل اليمن.

 

لكن الاحزاب والنخب حتى وقد أوصلتنا الى هذا الوضع تظل متمترسة خلف مطامعها الحقيرة حتى وان كان الثمن خراب مالطا وضياع الجمل بما حمل. والادهى انها تضيف الى هذه النزعات اعلاء الخصومات على كل ما عداها.

 

يأتي تمدد الحوثي اليوم بفعل تضارب الاجندة الخاصة على حساب الاجندة الوطنية. فكل القوى الفاعلة لم يعد دورها يقتصر فقط على الدخول في صراعات تخدم الحوثي وفي التهافت على الوظائف والمناصب والدعم المقدم من دول التحالف وهو الامر الذي أصبح يحيد قطاعات شعبية واسعة ويجعلها تعتزل ميدان الفعل والمبادرة, ولكن الى جانب ذلك اصبحت تبرع في تضييق ميدان الفعل الشعبي وفي التواطؤ مع جماعة الحوثي وتمكينها من التمدد هنا وهناك لكي تلحق الضرر ببعضها البعض.

 

لعل هذا الوضع اصبح يؤكد أكثر من أي وقت مضى انه لولا هذه القوى السياسية وطريقة ادارتها للوضع لما كان الحوثي تمكن من اسقاط الدولة والحاق كل هذه الجرائم بحق اليمنيين وحاضرهم ومستقبلهم. ولا يبدو ان هذه القوى ترغب في اعادة تقييم ادوارها واجتراح بداية جديدة اذا لم يكن من باب الاعتذار للشعب فلأن استمرار التدهور بهذا الشكل سيأتي على حساب المستقبل السياسي لهذه القوى.

 

صحيح وصلنا الى الرمق الأخير. لكن هذا يتعلق فقط بطريقة اداء المنظومة السياسة والشرعية للحرب والدولة. وسقوط هذه المنظومة ربما أصبح شيئا لابد منه حتى يعود القرار للناس لكي يخوضوا حربهم المصيرية. فالمؤكد ان جماعة الحوثي تعتاش على هذا الوضع أما مستقبلها فمنتهي بقوة التاريخ وبطاقة الشعب الجبارة والمتجددة.

وسام محمد

صحفي يمني