أول ثورة شعبية سلمية عربية

أول ثورة شعبية سلمية عربية
لا تكتمل ثورة عبر التاريخ إلا بثورات متتالية ومستمرة وبوسائل مختلفة في كل حقبة وتكاليف باهظة لا محيد عنها، المشهد المصري وإن بدت ملامحه تتشكل إلا أن المؤشرات المرجحة تدل أنه لن يتكرر في السودان، الشعب السوداني أستاذ الشعوب العربية ومعلمها، وصاحب تجربة عتيقة في إدارة الثورات فمنذ أكتوبر 1964 والسودانيون يزلزلون عروش الطغاة واحدا تلو الآخر من الرئيس إبراهيم عبود الى نميري الى الرئيس البشير.
 
في إبريل 1985 أطاح السودانيون بنظام الرئيس جعفر محمد نميري كانت يومها شوارع مدن السودان تمور وكأنها مرجلا يغلي كمشهد ثوري من أكابر أحداث الثورات السودانية ذات الحراك والدهشة والسرعة التي من فرط جنونها جعلت واحدا من أعتى وأقوى نظم المنطقة يذهب الى غير رجعة.
 
اليوم الشعب السوداني العظيم ببسالته وتضحياته الجسيمة يعيد الثقة الى قطاعات واسعة من الشعوب العربية في مستقبل السياسة والديمقراطية، ويؤكد من جديد على أن البلدان العربية تشهد ثورة شعبية عفوية وسلمية ذات مطالب واحدة، بل ويؤكد كذلك بأثر رجعي على الجوهر السلمي والمدني للثورة، وينقض بشكل قاطع بذاءة التفسيرات المؤامراتية التي سعت إلى إشاعتها أبواق الأنظمة الدموية المحنطة وهو التفسير الذي تعيد تدويره اليوم بسبب ما جرته حرب الأنظمة الدموية على الشعوب من خراب وأهوال ومذابح وحشية، لإقناع الشعوب بأن طلب الحرية مغامرة وخيمة العواقب وأن السلام يكمن في الاستسلام للأمر الواقع.
 
اليوم يبرهن الشعب السوداني من خلال ربيعه أن الديمقراطية لم تعد مطلبا لدى شعوب الربيع العربي فحسب ولكنها أصبحت ممكنة أيضا، وباتت هي المشروع الأول على جدول أعمال الشعوب التاريخي والذي من دونه لن تكون هناك أي إمكانية لتحقيق أي إنجاز وطني اجتماعي أو اقتصادي أو ثقافي وأخلاقي.
 
حقبة الوصاية السياسية والفكرية وفرض التبعية على الشعوب قد ذهبت إلى مزبلة التاريخ منذ اليوم الأول الذي انطلقت فيه شرارة الربيع العربي وكسرت فيه الثورة الوصاية المتعددة الأطراف
 
حقبة الوصاية السياسية والفكرية وفرض التبعية على الشعوب قد ذهبت إلى مزبلة التاريخ منذ اليوم الأول الذي انطلقت فيه شرارة الربيع العربي وكسرت فيه الثورة الوصاية المتعددة الأطراف، وفتحت نافذة في جدار العزل والتهميش والتشكيك بالنفس والشعور بالنقص الذي غذته النخب السياسية والثقافية والاجتماعية لضمان استسلام الشعوب للأمر الواقع وانقيادها.
 
ما أنجزته ثورة الربيع العربي مهما بدت نتائجه المباشرة محدودة إلا أنه لم يعد هناك بعد الآن من يستطيع أن يمنع الشعوب من التدخل في شؤون السياسة والنزول إلى الشارع والضغط من خلال المسيرات السلمية لتأكيد وجودها ورأيها ومصالحها والدفاع عن حقوقها، لن تستطيع أي نخبة حاكمة بعد اليوم أن تفرض أمرا واقعا أو تستمر في الحكم دون أن تأخذ رأي الشعوب في الاعتبار، ولم يعد هناك من يستطيع منع الشعوب من التظاهر على الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدتها في معركة التحرر من الوصاية والاستعمار.