أعمال خطرة
ما يزال أسامة الذي غادر فصول المدرسة في المرحلة الأساسية صغيراً على العمل والكد، لكن ظروف الأسرة وانقطاع المرتبات أجبرت والده سعيد الذي يعمل في الحقل التربوي على الدفع به إلى سوق العمل.
براتب لا يتجاوز 45 ألف ريال يعمل أسامة في محل تجاري طوال الليل، ويظل يقاتل النعاس الذي يغلبه مرراً من شدة الإرهاق ونقل البضاعة الثقيلة، ليصحوا على صياح وتوبيخ رئيسه بالعمل، لكنه يصمم على الاستمرار ليساعد أسرته بنفقات المنزل.
يقول سعيد لـ " بلقيس " لقد تحمل أسامة عبء ومسئولية المنزل لعدم وجود مصدر دخل نعيش منه منذ انقطاع المرتبات ، ووصولنا إلى مرحلة الإفلاس والمجاعة، وأحس بالألم لتحميله هذه المسئولية الشاقة، لكن معاناة سعيد تهون إذا قورنت بمأساة عامل البناء فائد الحبيشي الذي لم تترك الظروف الاقتصادية الصعبة له خيارا سوا الدفع بولده نجم الدين البالغ من العمر 15 عاماً إلى جبهات القتال في الحدود مع المملكة العربية السعودية، بعد أن تقطعت بهم أسباب الحياة ، وأوقفت الحرب مجال الإنشاءات والبناء، وصارت الأسرة على حافة المجاعة.
يحبس الحبيشي الدموع في عينيه، وتكسو علامات الحزن ملامح وجهه كلما ذكر ابنه، ويقول لـ " بلقيس " ونبرة الحزن تخنق كلماته " أن تخاطر بحياة ولدك من أجل أن تعيش الأسرة ليس بالأمر السهل، وكيف تعيش أو تنام وأنت مشغول الفكر وروحك متعلقة بطفل دفعتك الظروف إلى أن ترميه وسط الموت".
الحبيشي واحداً من آلاف الآباء الذين أجبرتهم قسوة الحياة على الدفع بأبنائهم إلى جبهات القتال، ويصبرون أنفسهم بأن الموت والحياة بيد الله، لكنهم يتحطمون من الداخل ويموتون كل يوم.
ثمن باهظ
استمرار الحرب في اليمن للعام الرابع جعل الأطفال يدفعون ثمنا باهظاً، ويتحملون وزر حرب يشعلها ويتكسب منها الكبار، فما بين إلحاقهم بسوق العمل، والحرمان من المدرسة، أو الزج بهم في جبهات القتال التابعة لمليشيا الحوثي أو الحكومة الشرعية، ضاعت ملامح الطفولة من وجوهم، ودخلوا معترك حياة يفوق إمكانياتهم وقدراتهم.
إلا أن المهن المفتوحة كغسيل السيارات وتجميع مخلفات القوارير البلاستيكية والمعدنية وبيعها على محلات الخردوات من أبرز المهن التي يمارسها الأطفال، كما هو الحال مع غالب الشيبة الذي يخرج أطفاله الصغار يجمعون القوارير الفارغة تحت حرارة الشمس من الشوارع وبراميل القمامة، ويوفروا بثمنها ما أمكن من احتياجات الأسرة.
وعلى الرغم من قسوة الحياة إلا أنها لم تستطع أن تحرم الأخوة الصغار من الابتسامة والمرح أثناء عملهم، يقول أحمد الذي ما يزال يحلم بالعودة إلى المدرسة لـ " بلقيس " لم أجد عمل آخر استطيع أن أساعد أسرتي غير هذا ، لكني سأجد عمل أفضل عندما أكبر.
مؤشرات خطيرة
تشير التقارير إلى أن الأطفال أكثر الفئات المتضررة من الحرب في اليمن حيث تجاوزت نسبة عمالة الأطفال ثلاثة أضعاف ما كنت عليه قبل الحرب وفيما تطلق المنظمات الأممية والمحلية تحذيرات متكررة عن أوضاع الأطفال في اليمن، تقول لمياء الإرياني رئيس المجلس الأعلى للأمومة والطفولة بصنعاء لـ " بلقيس " أن مؤشرات أوضاع الأطفال في اليمن خطيرة ودلالاتها المستقبلية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي تنبئ بكارثة حقيقية.
وتؤكد أن استمرار الحرب وسع دائرة الفقر وأحدث تدهوراً كبيراً في الوضع الاقتصادي ، وتسريح الكثير من العمال والموظفين ، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني والنزوح ، بالإضافة إلى أن انقطاع المرتبات وفقدان الأسرة معيلها ساهم بارتفاع عمالة الأطفال بشكل مخيف ، وفاقم ظواهر تهريب الأطفال والتشرد ، وضاعف عدد أطفال الشوارع ، وقضى على حقوق الأطفال في التعليم والحياة المستقرة والآمنة.
يتمنى أسامة ونجم الدين وكثير من الأطفال الذين يعولون الكبار أن يعودا لمدارسهم ولحياتهم الطبيعية وسط أسرهم التي أبعدوا عنها وحرموا حنانها، لكن حلمهم ما يزال مستحيلا في ظل استمرار حرب لا تبدو لها نهاية ،وفقرا يتوسع كل يوم.