ومن المفترض أن يوزع الزيت مجاناً للفقراء في اليمن الذين يعانون من أزمة إنسانية جراء الحرب، لكن الزيت تحول إلى ماركة للبيع ذات رواج واسع في أوساط المواطنين، بسبب سعرة الأقل مقارنة بالأنواع الأخرى التي تُباع في السوق، وهذا يكشف الوجه الأكثر ظلاماً للمتاجرة بأوجاع اليمينين للحصول على أرباح يدفعها المواطن نفسه.
وسبق أن اتهم برنامج الغذاء العالمي الحوثيين، بسرقة شحنات مساعدات الإغاثة في مناطق سيطرتهم وقال في بيان له في 31ديسمبر/ كانون أول 2018 "إنهم يسرقون الطعام من أفواه الجائعين وإن لديهم أدلة على ذلك"، وخلال الأيام الماضية هدد مارك لوكوك وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، بإيقاف توزيع المساعدات بسبب النهب، لكن لم تتم إلى حد الآن أي إجراءات لمنع ذلك على أرض الواقع.
زيت المنظمة المجاني للبيع
ويُباع زيت المنظمة عبوة أربعة لتر في الأسواق بـ 1,800 ريال يمني ما يعادل (3,5 دولار أمريكي)، وتتفاوت أسعاره من محل إلى آخر، بحسب الصفقة التي تتم مع بائع الجملة المفترض والذي يعمل على بيع الكميات بعد نهبها، ويعتمد على سماسرة لبيعه على المحلات التجارية.
"ام سناء" تحرص دائما على شراء "زيت المنظمة" من السوق المحلية باستمرار طمعاً في سعرة المناسب ونوعيته التي تقول "إنها ممتازة وتناسب طبخاتها المستهلكة في المنزل"، رغم معرفتها المسبقة أن هذا الزيت عبارة عن مساعدات إنسانية تم بيعها ومن المفترض أن توزع مجاناً.
وقالت في حديث لـ"بلقيس" نحن سعيدين اننا حصلنا على زيت بسعر مناسب مقارنة بالسوق اما بالنسبة للمساعدات الإنسانية فهي لا تصل إلينا، وأنا أعيش في حي شعبي ممتلئ بالفقراء والمحتاجين ولا يصلهم مما توزعه الغذاء العالمي إلا نادراً.
وأشارت "أعرف كثير من النساء تشتري زيت المنظمة باستمرار، وهو متوفر بكميات كبيرة بالمحلات التجارية في الأسواق الشعبية تحديداً، وهذا لم يعد سراً على أحد، ويعرف الجميع أن الحوثيون هم من يبيعونها للتجار، في الوقت الذي يتم تجاهل عمليات النهب من قبل الأمم المتحدة منذ سنوات".
تجارة بغذاء الجائعين
وبإمكان الحصول على "زيت المنظمة" في غالبية محلات المواد الغذائية التي تبيع بالتجزئة في الأسواق الشعبية، لكنها تنعدم في المولات التجارية الكبيرة، ويحصل عليها التجار من قبل سماسرة بكميات كبيرة وبأسعار مناسبة توفر لهم ربح جيد.
وقال تاجر تجزئة في صنعاء - طلب عدم ذكر اسمه - أنه يحصل على كميات كبيرة من الزيت من قبل تاجر جملة جديد يعرض عليها كثير من أنواع المواد الغذائية منها الزيت التابع لمنظمة الغذاء العالمي، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الحبوب والتي يقول "إنها منتج محلي".
وأضاف في حديث لـ"بلقيس" بدأ الأمر في السابق بطريقة سرية عن طريق سماسرة يوزعون كميات ما بين الحين والآخر، والان أصبح البيع بشكل مُعلن من قبل تجار دخلوا السوق بطريقة مفاجئة ولديهم الآن مخازن كبيرة ويبيعون لغالبية المحلات في صنعاء.
وأشار التاجر "أن من يبيعون لهم الزيت تحديداً، يشترطون عليهم عدم إظهاره امام اعين الزبائن، والاكتفاء ببيعة عندما يطلب الزبون فقط". ويبدو ذلك حرصاً منهم على تفادي التصوير لها من قبل وسائل الاعلام او الناشطين.
ومؤخراً ظهر كثير من التجار في العاصمة صنعاء، تابعون للحوثيين ويعملون على انتحال هويات شركات تجارية كبيرة، وبيع منتجات رديئة في السوق، بالإضافة إلى بيع المساعدات الإنسانية المنهوبة من المنظمات، حيث يتم تغليف الحبوب باسم شركاتهم، لكن الزيت تبدو مهمته غير سهلة لذا بقي بوعائه المعروف باسم "منظمة الغذاء العالمي".
عملية تصحيح بنفوذ حوثي
وخلال الأشهر الماضية نفذ برنامج الغذاء العالمي ما اسماها عملية التصحيح في توزيع المساعدات الغذائية، حيث بدأ تنفيذ حملة دعائية في الإذاعات المحلية، لإعادة تسجيل المستفيدين من تلك المساعدات الشهرية من جديد، من أجل تصحيح كافة الاختلالات وايصال الإغاثة للمحتاجين. بحسب اعلانهم.
وجاءت هذه الخطوة عقب اعلان ان الحوثيون يسرقون المساعدات الإنسانية، وبعد أن كشفت تحقيقات تناولتها وكالات دولية عن عمليات النهب المنظم للإغاثة، في ظل استمرار تدفق المساعدات الإنسانية من قبل المانحين الدوليين منذ اندلاع الحرب.
وأعلن الغذاء العالمي الشروط للحصول على المساعدات التي يقدمها، وشكّل لجان مجتمعة في الحارات والمناطق تشرف على عملية التسجيل الجديدة، غير أن محاولات التصحيح لازالت تسير بنفوذ كلي من قيادات الحوثيين الضالعين في عمليات النهب، وعلى هذا سيبقى "زيت المنظمة" متوفر للبيع لنهب آخر نقود الفقراء والاستثمار فيها لتمديد الحرب والمعاناة، والبحث عن أموال جديدة للإغاثة التي تباع نقداً.